جمهور بلا منتخب وشعب بلا حكومة، هكذا شعر الناس بعد هزيمة المنتخب القاسية أمام المنتخب البلجيكي (5-2) في كأس العالم لكرة القدم في روسيا. وأسقطت النتيجة حلماً لم يكن مبرّراً في الواقع، بحسب كل المحللين. احتلّ التونسيون الساحة الحمراء في روسيا، حوّلوها بأهازيجهم وأعلامهم وأحلامهم إلى ساحة من ساحات العاصمة التونسية، حتى شعر المذيعون من أمام الملعب، قبل كارثة بلجيكا، أنهم في مدخل ملعب رادس. رفعوا سقف الآمال عالياً حتى توافد أكثر من 17 ألف مشجع على موسكو، ولم تتدخل الدولة المفلسة ولو بفلس لتيسير تنقل التونسيين في حدث يتعلق بسمعة البلاد في نهاية الأمر، بل إن مشجعين قالوا إن سعر تذاكر السفر ارتفعت استغلالاً للفرصة. وسافر المشجعون بلا تذاكر دخول إلى الملاعب، معوّلين على أنفسهم لنصرة بلادهم، وأخذوا معهم ما استطاعوا من أعلام ولباس تقليدي لتقديم صورة جميلة عن بلد أنهكته الصراعات.
قبل ذلك بساعات، في فجر يوم السبت وفي حدود الساعة الخامسة صباحاً، استفاق التونسيون مذهولين على إيقاع الإرساليات القصيرة المتعلقة بنتائج الباكالوريا، ولم تتعدَّ نسبة الناجحين 30 في المائة، ما يعني أن 70 في المائة استفاقوا على كابوس جديد. سقط بعضهم أرضاً وأُغمي على كثيرين بحسب ما تناقلته العائلات. ولم يعرف التونسيون حتى الآن من الذي أصدر أمراً بنشر نتائج امتحانات في الخامسة فجراً والناس نيام، وكأنه يستهدفهم ويقضّ مضاجعهم ويتلذذ بالتنكيد عليهم.
وقبل ذلك بساعات أيضاً، في حدود منتصف الليل، زادت الحكومة التونسية الرشيدة في أسعار البنزين، ثالث زيادة هذا العام، لعلمها أن الناس منشغلة بمنتخبها، أي بوطنها وعلمها، وهي فرصة لا تتكرر لتمرير أي شيء. تعرف الحكومة أن هذا الشعب يحب بلاده، ويبحث عن تجديد أمله، بعيداً عنها، في زخم اليأس منها ومن طبقة سياسية تتناحر ليلاً وفي القاعات المغلقة، على من يحكم هذا الشعب المسكين. شعب يثبت كل يوم أنه أكبر من حكامه وحساباتهم، وحكومة تثبت كل يوم أنها حكومة ليل، وسياسيون قاصرون، لم يفهموا سرّ هذا الشعب وقدراته العظيمة واستعداده للتضحية إذا كان هناك حلم ما، أو حتى وهم ما، ولكنهم سياسيون بلا أحلام وبلا خيال.