وقد أجرى الرزاز، على مدار الأيام الثلاثة الماضية، سلسلة لقاءات مع الكتل النيابية، في خطوة تمهد، بحسب مراقبين، لحصول حكومته على ثقة مريحة من قبل النواب، وتجاوز المطبات التي تواجه الحكومة منذ اليوم الأول لتشكيلها، وما رافقها من انتقادات على أكثر من صعيد.
وقدمت الحكومة الأردنية الجديدة بيانها الوزاري إلى مجلس النواب، الإثنين الماضي، لمنحها الثقة على أساسه وفقًا للقواعد الدستورية التي توجب حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه، رغم صدور مرسوم ملكي بتشكيلها.
وقال الرزاز، في بيان الثقة، إن الحكومة تنطلق في عملها من الالتزام بأحكام الدستور ومبادئ الدّولة الأردنيّة التي تشتمل على العدالة والحريّة والمساواة والوحدة الوطنيّة، "وتوجِّهنا في هذا المسار منظومة قيم، من أبرزها: التعدديّة والوسطيّة، والتّسامح، واحترام الرّأي والرأي الآخر".
وتعهدت الحكومة بالعمل على محاربة الفساد، بشقّيه الإداري والمالي، بوصفه أحد أهمِّ هواجس المواطن الأردنيّ، ويشمل ذلك أوجه "الفساد الكبير المتنفِّذ"، و"الصغير" المرتبط بصغار الموظفين وبالرشوة وبمعاملات المواطنين.
ووعد الرزاز أيضا بالعمل على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة خلال الفترة المقبلة، بما يمكن البلاد من تجاوز الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي كانت سببًا في تفجر احتجاجات غير مسبوقة قبل شهر ونصف تقريبًا.
ووفقًا للمراقبين، فقد كثف الرزاز جهوده خلال الأيام القليلة الماضية لإزالة بعض الاحتقانات النيابية ضد الحكومة، وبشكل خاص تجاه بعض الوزراء، حتى يسهل العبور إلى الثقة، ولا سيما أن البيان الوزاري الذي قدمه للنواب لاقى انتقادات مبكرًا من قبل عدد منهم رأى فيه نمطًا تقليديًا في نهج الحكومات المتعاقبة ولم يأت بجديد.
ولم يخف الرزاز، في تصريحات أمس، عقب لقائه 6 كتل نيابية، أن هنالك شبه إجماع على وجود مشكلة في التشكيل الوزاري. لكن بحسب قوله، ليس هنالك إجماع على طبيعة هذه المشكلة، فبعض النواب لديه مشكلة مع الوزراء الجدد، وهناك من لديه مشكلة تجاه الوزراء العائدين، وهناك من يجد المشكلة في بعض الأسماء.
وأشار إلى أنه اجتهد وقد يخطئ أو يصيب، لكن لديه ثقة عالية بفريقه، وأن الفيصل في الحكم، سواء على الفريق الوزراي أو رئيس الحكومة، هو أداء كل واحد منهم، وهو ما سيشفع لأي وزير.
وأظهر استطلاع الرأي الذي أعلنه مركز الدراسات في الجامعة الأردنية أخيراً، أن ثمة 21 نقطة تفصل بين شعبية الرئيس الرزاز وفريقه؛ أي أن الرزاز يحظى بشعبية أكبر.
وطالبت كتلة الإصلاح النيابية، التي تضم نواب "الإخوان المسلمين"، حكومة عمر الرزاز بإجراء تعديلات دستورية تعيد الولاية العامة للحكومة.
وقال رئيس الكتلة، عبدالله العكايلة، خلال لقاء مع الرزاز: "لم نجد ما يريحنا في التشكيل الوزاري، والحكومة خلت من رموز وطنية أو إسلامية ذات وزن وثقل".
وأضاف أن البيان الوزاري هو استمرار لبيانات سابقة، مؤكدًا أهمية العمل برؤية تطبيق عملية ومغايرة لما كانت عليه الحكومات السابقة.
وقال إن البيان لم يتطرق لـ"صفقة القرن" وخطرها، مطالبًا بفتح مجال للتحرك الأردني في السياق الإقليمي والدولي، وتعزيز التعاون مع دول مثل تركيا وقطر وماليزيا وباكستان.
ووصف العكايلة اللقاءات الحكومية مع النواب، منذ تكليف رئيس الوزراء، بأنها "لقاءات مجاملة".
وكانت الحكومة قد تخلصت من بعض الأحمال الثقيلة التي ورثتها عن الحكومة السابقة، وبخاصة سحب قانون ضريبة الدخل من البرلمان، وتثبيت أسعار المشتقات النفطية للشهر الحالي، إضافة إلى إقرار قانون معدل لتقاعد الوزراء، وتخفيض النفقات العامة بحوالي 200 مليون دولار.
وقال رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، خيرو صعيليك، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة من المؤكد أنها ستلقى انتقادات بسبب بعض التوجهات الاقتصادية، وخاصة قانون ضريبة الدخل، والسياسات المالية الأخرى التي أثرت على الأوضاع المعيشية، وأدت إلى ارتفاع معدل التضخم.
وأضاف أن هنالك تعهدات من قبل رئيس الحكومة بالتحاور مع النواب وكافة الجهات ذات العلاقة حيال أي قوانين أو قرارات لها أثر على المواطن ومختلف القطاعات بشكل عام.
ولا يعتقد رئيس مجلس النقباء، علي العبوس، بقدرة الحكومة على مواجهة التحديات الاقتصادية بالشكل المطلوب، مشيرًا إلى أنها "ستواجه صعوبات في ذلك"، وأن "الفائض الذي تحدث عنه الرزاز سيكون، وللأسف، على حساب إلغاء مشاريع أساسية يحتاجها المواطن، كالصحة والتعليم والمياه، وغيرها".
وكان عدد من النواب قد أعلنوا نيتهم حجب الثقة عن الحكومة، أبرزهم النائب يحيى السعود، الذي قال إنه لن يمنح الثقة لحكومة فيها وزير طالب بإسقاط النظام، في إشارة إلى وزير الاتصالات مثنى الغرايبة، أحد قادة الحراك في الأردن منذ هبة الربيع العربي.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إن الخطاب النيابي في مناقشات الثقة من المرجح أنه لن يختلف هو الآخر عن المناقشات السابقة لبيانات حكومية، إذ سترتفع وتيرة الانتقادات من قبل النواب للحكومة، وفي نهاية المطاف ستمنح ثقة مريحة.
وأضاف أن الانتقادات ستتركز، كما هو معتاد، على تردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، والمطالبة بمحاربة الفساد، وزيادة معدلات النمو.
ويعتقد مراقبون أن الحكومة، وإن كانت ستواجه انتقادات من قبل عدد من النواب، ستحصل على ثقة مجلس النواب بأغلبية متوقعة بـ74 صوتًا من أصل 140، عدد أعضاء مجلس النواب، وربما يزيد الرقم عن ذلك بحسب تواصل الحكومة مع النواب المترددين بمنح الثقة.
وكان الأردن قد شهد احتجاجات غير مسبوقة استمرت لمدة أسبوعين ضد السياسات الاقتصادية للحكومة السابقة، وقرارات رفع الأسعار وقانون ضريبة الدخل، إلى أن تدخل العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، ونزع فتيل الأزمة بإلغاء قرار رفع أسعار المحروقات وإقالة حكومة هاني الملقي.