حكواتي بربطة عنق
حكواتي بربطة عنق
التطورات المتسارعة في العالم العربي أنهت مهنة الدعاة الجدد(Getty)
اللافت أن الجمهور الذي ينصت إلى عمرو خالد مؤلف من أبناء بقايا الطبقة الوسطى، ومن أبناء الطبقات الجديدة، وهؤلاء يتوقون إلى نيل الطمأنينة، من خلال البركة التي يمنحها الاسلام لهم، ومن دون أن يكونوا منخرطين في أحزاب الإسلام السياسي؛ فهؤلاء ليسوا سياسيين، بل مسلمون لديهم شعور بالإثم، جراء تناقض الطراز الحديث من الحياة اليومية التي يعيشونها، وبقايا الإيمان الموروث عن العائلة، مثل طقوس الصوم في رمضان والصلاة في المساجد القريبة، وزيارة قبور الأجداد في الأعياد، وسماع تلاوات القرآن في مذياع المنزل... إلخ. ويؤدي الدعاة الجدد، أمثال عمرو خالد، دور رهبان الاعتراف في الكنائس المسيحية؛ فهم يرممون علاقة الفرد القلق والمضطرب بالمجتمع، من خلال التدين البسيط الذي يريح ضمائرهم المعذبة، ويمنحون التزكية للأموال التي تتراكم في جيوب آبائهم من مصادر ليست شرعية بالضرورة. وهؤلاء الشبان يبحثون عمن يقول لهم إن طاولة الزهر لا تتعارض وصلاة الجمعة، وأن تدخين النرجيلة (الشيشة) ليس حراماً، وأن القبلات في السيارة أمر ليس خطيئة، وقد وجدوا في الدعاة الجدد حضناً يقيهم الجماعات السلفية التي لا تنفك تخوفهم بالجحيم، وسنداً لا يسلخهم عن نمط الحياة اليومية التي يرغبون فيها.
يلوح لي أن التطورات المتسارعة في العالم العربي أنهت، إلى حد بعيد، مهنة الدعاة الجدد، وأحلّت محلهم دعاة أشد بأساً. فقد كان الدعاة، في السابق، دلالين وباعة سُبحات ومنظمي حلقات الزار والموالد والمولويات والرفاعيات، وكانوا يمدون أرجلهم هانئين، على غرار تنابلة السلطان عبد الحميد في التكايا الهادئة، إلا أن خلفاءهم راحوا يبيعون، اليوم، فتاوى مغشوشة ووصفات "ديلفيري" وأدعية بدولار، والدفع يجري بلا حساب. ثم اختلطت السياسة بالدين بالأموال والاستخبارات معاً على طريقة سمك لبن أسكالوب بيتزا مسقّعة تمر هندي.