حكم الاستبداد والعصا الأمنية

25 يوليو 2014
+ الخط -


قد تختلط على بعضهم دقائق الأمور، وقد يرون في الذي ترتب على إسقاط شرعية ثورة يناير، بعد وقوع مؤامرة الانقلاب العسكري في مصر، تأسيساً لقواعد الحكم الديمقراطي، ولاستقرار الوضع السياسي. لكن الحقيقة أن ليس هكذا تكون إدارة الدولة وسياسة الناس، خصوصاً إذا ما عقدت مقارنة ظاهرية بين هدوء المشهد السياسي الحالي، أو مواته، بما كان عليه في عام من حكم الرئيس المنتخب والشرعي، محمد مرسي، من تفاعل سياسي ومجتمعي، بين كل مكونات المجتمع وعناصره، والذي كان في جزء منه معبراً عن فاعلية مصر ما بعد الثورة المجيدة.

من يؤمن بمذهب الانقلابيّ، عبد الفتاح السيسي، الذي عبّر عنه، في أحد تسريباته الشهيرة بعد تنفيذ انقلابه، بقوله "العملية فكاكة مش علم"، وكان يقصد أن الحكم ليس بالشهادات الجامعية الرفيعة، بل هو فن وموهبة، غير مرتبطة بالدرجة العلمية، قد يكون معذوراً في هذا الفهم الخاطئ، إذا ما كانت المقارنة على ظاهر الأمر فقط، هذا إذا ما سلمنا بحقيقة استقرار المشهد السياسي حالياً، وهو غير مستقر، لكن أصحاب هذا المعتقد مخطئون من حيث المبدأ، وذلك  لخطأ إجراء مقارنة بين نظامين مختلفين، لا تجوز المقارنة بينهما مطلقاً.

طريقة الحكم وآلياته، بغض النظر عن شرعيته، تختلف باختلاف النظام السياسي نفسه الذي يمارس من خلاله الحاكم صلاحياته وسلطاته، فإذا كان النظام ديمقراطياً، سنجد الحكم الديمقراطي والمؤسسي وسيادة دولة القانون، والفصل بين السلطات، وحرية الإعلام، وسيكون طبيعياً وجود الحراك السياسي المتوهج بين الأحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية الأخرى كافة، إن كانت في الحكم أو في المعارضة، بما يصب في النهاية، في خدمة إنضاج المجتمع بمؤسساته ومكوناته كافة سياسياً، خصوصاً إذا كان مجتمعاً عانى من الانسداد السياسي، وعقوداً طويلة من استبداد الحكم العسكري، وهذا ما كان قائماً في عهد الرئيس الشرعي، محمد مرسي.

على العكس من ذلك، يكون الحكم الاستبدادي، فهو قائم على الإرهاب والجبروت والعصا الأمنية الغليظة، للسيطرة على الشارع، واستخدام التحايلات المخابراتية في السيطرة على مراكز القوى في الدولة، ووجوه الرأي العام. هذه هي طبيعة الأنظمة المستبدة والمجرمة التي لا تعترف بإرادة الشعب، وإن تظاهرت باحترام إرادته، في استحقاقات انتخابية شكلية، تكون نموذجاً للتزييف والتزوير. هذه الطريقة، وإن كانت تحفظ جدران النظام القائم، بصفة مؤقتة، إلا أنها ستكون سبباً في انهياره بسرعة فائقة، عند أول ضربة ثورية، وما كان نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، إلا نموذجاً لهذا الحكم. ولذلك، لم يحتمل الصمود أمام حناجر الثائرين الرافضين له، ولنظامه، أكثر من ثمانية عشر يوماً، على الرغم مما كان عليه ذلك النظام من تمكن وتحكم في كل مفاصل الدولة، بصورة لم تتوفر لرئيس ما بعد الثورة، وربما هذا يكون من الفروق التي تميز بين الثورة والانقلاب، والرئيس الذي يأتي من الثورة، وذلك الذي يأتي على دبابة الانقلاب.

لهذا، لا يجب أن نقع فيما يقع فيه العبيد، ونمنح السفّاح الانقلابي وأمثاله، ما لا يستحقون من نعوت الدهاء والحكمة والقدرة على سياسة الناس، إذا ما توهم بعضهم وجود استقرار مزعوم بعد وصول الانقلاب إلى الحكم المغتصب، لا يجب التعجب من وصول مثل هذه العقلية الكسيحة إلى الحكم، في ظل مثل ذلك النظام الفاجر الذي لا يهتم بالأشخاص، مادامت المنظومة الاستبدادية قائمة، لأنه لن يخرج إلا أمثاله قطعاً، كما أن الحكم بهذه الطريقة هو الأقرب للحكم في أنظمة ما قبل قيام الدولة الحديثة، حيث دسائس القصر وشراء الذمم وسفك الدماء وإسكات صوت المعارضين بالقوة والإرهاب.

avata
avata
أحمد قاسم البياهوني (مصر)
أحمد قاسم البياهوني (مصر)