حكاية المجتمع المدني

حكاية المجتمع المدني

11 فبراير 2019
أزمة النفايات في لبنان (عامر غزّال/ Getty)
+ الخط -

تبقى الهوّة كبيرة بين جمعيّات المجتمع المدني والصحافيّين. وعبارة "مجتمع مدني"، بالنسبة للكثير من الصحافيّين، كافية ليشعروا بالاستفزاز. إنّه ليس المجتمع المدني الذي ارتضوه لأنفسهم، بل ذلك الذي سقط فوق رؤوسهم بفعل الممولين الدوليين...

هذه مجرّد مقدّمة قبل الانتقال إلى شقّ آخر. لا نكشف سرّاً حين نقول إنّ الناس متعبون. والتعب لا تخفيه المظاهر. بل إنّ المبالغة تدخل في إطار ردود الفعل. والغريب أن أزمة مثل أزمة النفايات المستمرّة، لم تجعل الناس يبيتون في الشوارع إلى حين إيجاد حلّ.

كان اللبنانيّون يسيرون بين أكوام النفايات، وهم مدركون للأخطار الصحية الناجمة عن الأمر. والمشهد لا يختلف كثيراً عن بنادق مصوّبة نحو رؤوس أطفالهم، وإن كانت تقتل بعد حين. في ذلك الوقت، شهد لبنان خروج تظاهرات، سرعان ما انتهت. وهذا لا يعني أن الناس غير معنيّين بصحتهم وصحة أطفالهم، بل إنه التعب، والرغبة في العيش والاستهلاك...

لا تقتصر وظيفة الدولة على تأمين الخدمات لمواطنيها، بل تحقيق الراحة لهم أيضاً. صحيح أن الخدمات تعدّ أحد أسباب الراحة للمواطنين، إلا أن هناك المزيد. وحين لا تقوم الدولة بالحدّ الأدنى من واجباتها حيال مواطنيها، لا يصبح وجود الجمعيات غير ذي أهمية. حتى الوزارات تعقد شراكات مع هذه الجمعيات لتنفيذ نشاطات وتدريبات.

ماذا لو لم تكن الجمعيات موجودة؟ لن نقول إن الخراب كان ليعمّ لأن في هذا مبالغة. أو لن نقول إنّنا كنا لنرى الناس في الشوارع. لا. لكن لا شكّ أنّه كان لهذه الجمعيات دوراً إيجابياً في السياق اللبناني. بداية، ساهمت في تسليط الضوء على الكثير من حقوق الإنسان، وأطلقت الحملات وضغطت على المسؤولين بهدف إقرار بعض القوانين المنصفة للإنسان.



بعضها ساهم في تسليط الضوء على السياسات العامة، والعمل على حماية المرأة من العنف، وإشراك الشباب وتمكينهم.

ربّما لا يمكن الحديث عن إنجازات كثيرة، على الرغم من سنوات العمل الطويلة. لكن المشكلة ليست حصراً بهم، بل في التركيبة اللبنانية المحميّة من الطوائف على الرغم من فسادها.

جمعيّات المجتمع المدني خلقت مساحة للشباب بعيداً عن الأحزاب الطائفيّة، وعملت على تمكينهم وفتح آفاق جديدة لهم. بعضهم، بات أكثر قدرة على تحديد وجهته. أليس هذا حقّ؟ ألا يفترض أن تتوفّر خدمات مماثلة في المدارس الحكومية والخاصة؟ في لبنان، أجبر غياب الدولة الناشطين على خلق مجتمع موازٍ/ بديل، ليست الكهرباء أو المياه أو ضمان الشيخوخة من مهامه، بقدر التوعية حولها. مجتمع لا يخلو من الفساد والفاسدين، لكنّه أحدث فرقاً.