حكاية الحاج صلاح الخطيب... "سنعود لو بعد مليون سنة"

حكاية الحاج صلاح الخطيب... "سنعود لو بعد مليون سنة"

15 مايو 2016
يحتفظ أبو خالد بدفتر يدوّن عليه بعض المذكرات(العربي الجديد)
+ الخط -
"لو بعد مليون سنة، رح نرجع، إحنا في جيلنا كان عنا حماسة كبيرة للعودة، وحماسة ولادنا أكبر منا، رح نرجع ما في إشي بدوم". بهذه الأمنيات يتسلح الثمانيني الحاج صلاح الخطيب (أبو خالد) بأن حلم العودة إلى قريته المالحة التي هجر منها سيتحقق في يوم الأيام، وإن لم يعد هو سيعود أبناؤه أو أبناء أبنائه.

أحد عشر عاماً كان عمر أبو خالد حين حدثت نكبة الفلسطينيين قبل 68 عاماً. ومع الحنين إلى الذكريات كبرت أحلام الطفولة وشاخت، وعلى الرغم من الثمانين عاماً التي بات على أعتابها، إلا أن أبو خالد لا يزال يحلم بأن يعود إلى قريته المالحة التي هجر منها.

يقول أبو خالد في حديث لـ"العربي الجديد": "فكرك أنا بنسى لا. أنا بتذكر كل بيت، وكل حجر، وكل شارع، وكل شجرة في المالحة. بتذكر كل أيام الطفولة، حتى آخر أكلة أكلتها لما كنت مريض كانت ورق دوالي (ورق عنب)".

لا يزال أبو خالد، والذي يُصر على أن حلم العودة سيتحقق وإن طال انتظاره، يحمل في قلبه الكثير من الذكريات المعلقة هناك، ويقصّ لكل من طرق باب بيته في مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين شمالي مدينة بيت لحم، حكاية النكبة، ومعاناة الرحيل، وتلك الآمال التي تبددت مع مرور الزمن حتى وصل عمر النكبة إلى ثمانية وستين عاماً.
يروي أبو خالد (80 عاماً) لـ"العربي الجديد" حياة ما بعد النكبة قائلاً "خرجنا إلى قرية شرفات المجاورة، بعد هجمات اليهود على القرى والبلدات. مكثنا هناك في الكهوف عاماً كاملاً، كنا نعتقد حينها أن الوعود بالعودة حقيقية، انتظرنا حتى ضاقت بنا حياة الكهوف، والهجمات ازدادت حدتها". عندها اضطرت العائلة إلى مغادرة الكهوف بسبب ضيقها، باتجاه بلدة بيت جالا في شمالي مدينة بيت لحم، مكث أفرادها في كهوفها سنوات عديدة، قبل أن ينتقلوا إلى بيوت مبنية من الطين في ذات المكان ويعيشوا فيها حتى اندلعت حرب عام 1967 قبل أن يهاجروا من جديد باتجاه مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين ويلتحقوا بآلاف اللاجئين الذين يتجرعون مرارة اللجوء في المخيم الصغير.
ولد الحاج صلاح الخطيب في عام 1936 ولا يزال حتى اليوم يحتفظ بذكريات حياته في قريته المالحة. درس حتى الصف الخامس في مدرسة المالحة الأميرية، والتي لم تعد موجودة اليوم، كما يقول.

دفعته رحلة اللجوء إلى العمل صغيراً، تعلم الخياطة عند إحدى السيدات، وأصبح يخيط "القمباز" الفلسطيني المعروف، وهو لباس تراثي كان يتداوله الرجال، وغيرها من الألبسة الفلسطينية التراثية، وبقي يعمل في هذا المجال في سوق بيت لحم حتى عام 1959 قبيل أن يجد عملاً جديداً في مدينة القدس المحتلة.

التحق أبو خالد ليعمل خياطاً في مدرسة الأيتام الصناعية في مدينة القدس وبقي فيها حتى عام 2005، وبفضل هذا العمل تمكن من أن يحسن الظروف المعيشية للعائلة، تزوج هناك وأنجب أربعة أبناء توفى منهم اثنان، وبقي اثنان آخران يحملان معهما إرث النكبة لأبنائهما الذين أصبحوا اليوم شباباً.

أبو خالد، والذي يريد أن يورث أبناءه ذكريات النكبة، لا يزال يحتفظ بدفتر صغير يدوّن عليه بعض المذكرات، وبعض أغاني الطرب الأصيل، وكذلك تلك الأمنيات التي يحملها أي شاب فلسطيني آنذاك وهو يعيش آمناً في وطنه.

يستذكر أبو خالد الأعراس قديماً، وأن أهل المدن الفلسطينية كانوا يحبون الطرب الأصيل، وكان هذا الفلسطيني يغني أحياناً في بعض الحفلات، "كل الحياة كانت جميلة، كل شيء كان هادئاً قبل أن يأتي الاحتلال، واليوم تغيّر كل شيء، وكبرت آلامنا" يضيف أبو خالد.