حكام أبوظبي والتاريخ المفترى عليه!

حكام أبوظبي والتاريخ المفترى عليه!

26 نوفمبر 2019
+ الخط -
حكام أبوظبي وتزييف التاريخ والافتراء والتحامل على بعضه، ومحاولة صناعة تاريخ جديد لا يقبله المنطق ولا يستوعبه العقل البشري، سلسلة من حلقات مسلسل إماراتي متكرر، خاصة في السنوات الأخيرة.

البداية كانت مع المسلسل الأكثر إثارة للجدل "ممالك النار"، واختيار الاسم لوحده دليل على التحامل وعدم الحيادية في طرح المواضيع، فمن يتابع الحلقات الأولى من المسلسل يتصوّر أنه الجزء الثاني من فيلم مصاصي الدماء الشهير، الذي عرض عام 2005، فالصورة التي ظهر بها العثمانيون في المسلسل هي صورة الوحش الشرير الذي يفتك بالجميع ويغتصب أراضي الغير، وحتى أقرب الناس إليه فيقتل إخوته.

دعك من صراع المحاور، والخلاف التركي الإماراتي بشأن الربيع العربي، وحاول أن تنظر للمسلسل بحيادية وللتاريخ العثماني بمنتهى الموضوعية، فلا هم بالملائكة كما صورتهم الدراما التركية، ولا هم بالشياطين كما صورتهم الإمارات في ممالك النار.


لقد مر التاريخ الإسلامي منذ ما بعد الخلافة الراشدة بثلاث دول، هي الأشهر، كانت بداياتها أموية بعد الحرب بين علي ومعاوية، وانتهت بعد موت علي بن أبي طالب مغدوراً، وتنازل ابنه الحسن عن الحكم لمعاوية، ثم كان ما كان مما يعرفه الناس، قتل الحسين بن علي في عصر يزيد بن معاوية، ثم ظهور الحجاج بن يوسف الذي كان نقطة سوداء في تاريخ الدولة الأموية.. إلا أنه يحسب للأمويين فتوحاتهم ونشرهم الإسلام وظهور أول عملة بالعربية في عصرهم، ومحافظتهم على الدولة وحسن إدارتها.

بعد الحقبة الأموية التي استمرت لثمانية عقود، جاءت الحقبة العباسية الأطول في تاريخ الأمة، واستفتحت بدماء الأمويين، واختمت بالغزو التتاري لبغداد، وهي النهاية الفعلية لدولة بني العباس.. فبقدر ما كانت بداياتها دموية إلا أنها شهدت نقلة نوعية في العمران والتشييد والتطور العلمي والثقافي.

ثم جاءت الدولة العثمانية وكانت بداياتها عام 1285 عن طريق عثمان بن أرطغرل وبمساعدة عشائر الأناضول، فأسس الرجل جيشاً عظيماً كانت أوروبا تهابه، إلا أن الرجل رفع شعار الدعوة قبل الحرب، والحوار قبل الصراع، ففتحت له بعض المناطق الأوروبية أبوابها. وقال في إحدى خطبه الشهيرة: جئنا هذه البلدان غرباء على أهلها، وهؤلاء أهلها لم يمنعونا منها، وعلينا أن نحترم حقوقهم ونكون أمناء في حقهم.

وحتى عندما فتح محمد الفاتح الذي صوّره المسلسل كقاتل لإخوته - وبالمناسبة فإن الأتراك وغيرهم اختلفوا في وجود أشقاء لمحمد الفاتح لأن الأشهر أنه كان وحيداً لدى والده السلطان مراد -، حتى عندما فتح القسطنطينية ترك للنصارى حق اختيار البطريرك، وعندما فاز سلمه الخاتم وعصا البطاركة وذلك مما شهد به الفلاسفة التنويريون في أوروبا، وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي فولتير.

كذلك أخرجت الدولة العثمانية للمسلمين السلطان عبد الحميد الذي رفع شعار "يا مسلمي العالم اتحدوا"، وكان معروفاً بدفاعه عن فلسطين، وبنى أول سكة حديدة سهلت الحج على ناس، وعرف بمواقفه النبيلة التي جعلت الأوروبيين يتآمرون عليه ويدعمون انقلاب مارس 1909 الشهير.

وكان سقوط السلطان عبد الحميد القشة التي قصمت ظهر الدولة العثمانية، والبداية الفعلية لنهاياتها، فظهر من بعده أخواه محمد الخامس والسادس، ثم أتاتورك مؤسس الجمهورية الحديثة.

لم تكن الدولة العثمانية بالملاك الطاهر والحقبة الأفلاطونية المسالمة، ولا هم شياطين الإنس والجن ومصاصو الدماء والغزاة، كما يريد ممالك النار تصويرها لنا وللأجيال القادمة، كان لها ما لها، وعليها ما عليها، مثل كل الدول التي مرت بالمسلمين.

يقول الفيلسوف الإنكليزي "توينبي": "إن أياً من الدول الأوروبية الاستعمارية التي أخذت مكان الدولة العثمانية لم تتمكن من إدارة تلك الدول مدة طويلة وبطريقة مستقرة وعبقرية كما أدارها العثمانيون".

في كتابه تاريخنا المفترى عليه يقول القرضاوي: إن من يزعمون أنهم دعاة التجديد يختزلون التجديد في هدم بنيان الماضي والبدء من جديد، وعوام الناس في بلادنا يقولون: من ليس له قديم فليس له جديد.

لكأن الرجل كان يتنبّأ بأمثال حكام أبوظبي اليوم.. فلماذا يفعلون ذلك؟ ولمصلحة من؟ ألا يعلمون أن كل من سار على درب تزييف التاريخ هلك، وكل من سار على درب الحقيقة سلك!
D127B5A7-B6C4-4CC3-AB0D-021CE7601547
الشيخ محمد المختار دي

صحافي بفضائية القناة التاسعة وكاتب بمواقع عربية. حاصل على إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة بتونس، وعلى بكالوريوس أداب من جامعة نواكشوط، ومقيم في إسطنبول.