حقاً الكلمات تموت وتحيا..

06 اغسطس 2014
+ الخط -


حين أعلنت المقاومة الفلسطينية، أول مرة، أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قتلها عدداً من الصهاينة من مسافة صفر، استرعى انتباهي الاختيار المنضبط والمحسوب للكلمات. وفي المرة الثانية، بدأت أتذوق التركيب، كما نتذوق المصطلح عادة. أو كرشفة أخرى من المياه العذبة نفسها! لكنّي، وفي المرة الثالثة، شعرت بقيمة جديدة اكتساها الرقم صفر، وبمعنىً قاسٍ وملتهب تولّد فيه، معنىً يختصر كثيراً من أحاجي الضدّين في النزال، حين يلتقيان فيتطهر جمال أحدهما بالخناق المر لقبح الآخر، "والضدُّ يظهر حسنَه الضدُّ"، وشخصت أمامي جملة مذهلة من اﻷضداد في المسافة صفر: شجاعة المقاومة وجبن العدو، الإقدام والإحجام، العزة والذلة، الكثرة والقلة، الشهامة والنذالة، الانحياز إلى الحق والعمالة، الصغار والفخار، الانكسار والانتصار، براءة الطفل الحزين ونبله المقتول، وخساسة القاتل المأفون وغلّه المرذول.

هذا الانبعاث المرير من رحم الرقم صفر، جعل له قيمة جديدة، ومذاقاً مميّزاً، وكأنه خلق آخر صار يصرخ أو يتنفس. وجعل اﻷضداد تتعارك، حبلى بالظفر فوق بساط رحابته، تتلاقى عطشى للثأر والخطر على عجيب نكهته وحصافته. إلى الحد الذي سقط معه في بؤرته، أو في سحيق هوّته، كل دعيٍّ بمحبته، وانفضح كل شقيّ وضيعٍ بخيانته.

فيا له من ميلاد مذهل وعجيب للمسافة صفر، ميلاد تتخلق بحروقه وكدماته المعاني جريئةً ومنيعةً، لكنها كذلك عارية من أطمار الخديعة، ميلاد معجز، لا يفتأ ينبت في النفس على الرغم من التألم، شهوةً للأمل. ويثمر، على الرغم من تغابي السنين الموجعة، قوةً على الفهم، وحصانة ضد تلوّن المعتقد، ورخاوة المبدأ.

تحية بطعم السحر والدهشة والجلال من مسافة صفر، لأهلنا في غزة، وللمقاومة الأبية الصامدة.

avata
avata
محمد علي المصطفى (مصر)
محمد علي المصطفى (مصر)