حفتر يخرق التهدئة في سرت ووجود أمني لـ"الوفاق" في طرابلس

قوات حفتر تخرق وقف إطلاق النار في سرت و"الوفاق" تكثف وجودها الأمني في طرابلس

27 اغسطس 2020
من التظاهرات في طرابلس (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

تستعد حكومة "الوفاق" الليبية، حالياً، إلى نشر المزيد من فرقها الأمنية بهدف قطع الطريق أمام مسلحين انتهكوا حق المحتجين في التظاهر السلمي، في الوقت الذي استهدفت فيه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر مواقع قوات حكومة "الوفاق" بمدينة سرت بصواريخ عدّة.

وأفادت غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة، اليوم الخميس، في بيان، على صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، بأنّ "مليشيات حفتر ومرتزقة فاغنر (الروسية) المتواجدة في سرت استهدفت قوات الجيش بأكثر من 12 صاروخ غراد".


وأوضحت الغرفة أنّ "هذا الاستهداف اختراق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار"، مؤكدة على حقها في الرد على هذه التصرفات وفق ما تقره العمليات الميدانية.

في الأثناء، كثّفت وزارة الداخلية في حكومة "الوفاق" وجودها الأمني في منافذ العاصمة طرابلس، وطرقاتها الرئيسية، من خلال نشر البوابات وحواجز التفتيش.

وقال محمود هدية، الضابط بمديرية أمن طرابلس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ المديرية تستعد لنشر المزيد من قوات الأمن لتأمين أي خروج جديد للمواطنين، اليوم الخميس، في تظاهرات سلمية على غرار تلك التي خرجت في الأيام الماضية للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية، مشدداً على ضرورة تطبيق المواطنين لقرار حظر التجول الخاص بالإجراءات الاحترازية تحسباً من زيادة تفشي وباء كورونا.

ومدد المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" حظر التجول، لأربعة أيام أخرى، بدءاً من مساء أمس الأربعاء، على وقع الانتشار المتزايد لفيروس كورونا، بعدما حذّرت منظمة الصحة العالمية "من الانتشار السريع للفيروس" في البلاد في وقت تعاني فيه ليبيا نقصاً حاداً في الاختبارات والقدرات المختبرية الخاصة بالكشف عن الفيروس.

وبيّنت المنظمة، في بيان، أمس الأربعاء، أنّ "الحالات الجديدة تزداد بشكل كبير فيما أصبح تتبع الأشخاص المخالطين للمرضى أمراً صعباً".

في المقابل، انتقد نشطاء ووسائل إعلام ليبية قرار الحظر، معتبرين أنه قرار يهدف إلى تطويق التظاهرات لإنهائها، وهو ما نفاه هدية في حديثه لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنّ القرار جاء بصيغة التمديد وليس جديداً، وأنه جاء بناء على توصيات اللجنة العليا لمكافحة فيروس كورونا.

وعلى الرغم من خرق المتظاهرين للقرار بعد ساعات من الإعلان عنه، والتجمهر بالعشرات في ميدان الشهداء بطرابلس، مساء أمس الأربعاء، إلا أن فرق الأمن نشرت عدداً من سياراتها لتأمين المتظاهرين، قبل أن تفرقهم قوات الأمن بدخول الوقت الرسمي لبدء تطبيق الحظر وتزامناً مع إطلاق مسلحين الرصاص في الهواء.

وللمرة الثانية تعترف وزارة الداخلية بوجود اختراق أمني في صفوف قواتها، إذ أكد وزير الداخلية في حكومة "الوفاق" فتحي باشاغا، وقوع انتهاكات بحق المتظاهرين السلميين في "ميدان الشهداء"، مساء أمس الأربعاء.

وبشكل يختلف عن تصريحاته السابقة قال باشاغا، في تصريح لقناة ليبية، ليل الأربعاء، إن وزارته رصدت المسلحين الذين أطلقوا النار في الهواء تزامناً مع وجود عشرات المتظاهرين، مشيراً إلى أنه تم رصد "تبعية المسلحين والجهات الرسمية المسؤولة عنهم".

وبحسب باشاغا، فإنّ الوزارة "تستعد أكثر لحماية المدنيين العزل من بطش مجموعة من الغوغاء الذين لا يمثلون أبطال عملية بركان الغضب الشرفاء ولا يحترمون دماء وأعراض الأبرياء من المتظاهرين السلميين".

وفي حين حذّر باشاغا، أولئك المسلحين "من محاولة المساس بحياة المتظاهرين أو تعريضهم للترويع أو حجز الحرية بالمخالفة للقانون"، قال: "قد نضطر إلى استعمال القوة لحماية المدنيين، وإننا على ذلك لقادرون وفق واجباتنا الأخلاقية والوطنية والقانونية".

وعن حادثة أمس الأربعاء، أكّد هدية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "مطلقي الرصاص لم يصيبوا أياً من المتظاهرين"، مبيناً أن "خطط المديرية جاهزة لتأمين أي خروج سلمي بشكل أكثر حذرا من أي اختراق".

لكن هدية أشار إلى أن المديرية أبلغت منظمي التظاهرات بضرورة التقيد بوقف التظاهرة والتقيد بقرار حظر التجول للمساعدة في قطع الطريق أمام أي اختراق، ونفى أن يكون قرار حظر التجول يستهدف منع التظاهرات، موضحاً أنّ "القرار مدته أربعة أيام فقط ما يعني قدرة المتظاهرين على العودة للساحات ".

وعن هوية المسلحين الذين اخترقوا قوات الأمن، أكد هدية أنّ "الحديث في هذا الشأن يرجع لقادة الحكومة فقط".

من جهتها، نفت وزارة الصحة في حكومة "الوفاق"، في بيان، لليوم الثالث على التوالي "وقوع أي إصابات في صفوف المتظاهرين أو قتلى"، مشيرة إلى أن المراكز الصحية بطرابلس لم تستقبل أي حالات، رداً على أنباء تداولتها وسائل إعلام ليبية ودولية موالية لحفتر بشأن وقوع قتلى وجرحى واعتقالات واسعة في صفوف المدنيين.

وفي الوقت الذي طالبت فيه منظمة "العفو" الدولية حكومة "الوفاق" بضرورة محاسبة المسؤولين عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين، لا تزال إجراءات المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" بشأن التجاوب مع مطالب المحتجين تلقى انتقادات من القادة في طرابلس.

واعتبر المستشار السياسي للمجلس الأعلى للدولة، أشرف الشح، أنّ رئيس حكومة "الوفاق" فائز السراج ومجلسه الرئاسي "يتحمل المسؤولية في الإخفاقات وضعف الأداء مما تسبب في امتعاض شعبي واسع".

وقال الشح، في تغريدة على "تويتر"، إنّ "إخفاق السراج، سمح باستغلال بعض المندسين لهذه الاحتجاجات للوصول لأهداف سياسية".

وأضاف: "لكن أصبح من غير المقبول استمرار مهزلة تمرد وزير الداخلية (فتحي باشاغا) مدفوعاً بطموحه، يجب على السراج ومجلسه الرئاسي إعادة ضبط إدارة الدولة".

وعلى الرغم من أنّ ناجي الناجح، أحد منظمي حراك يوم 23 الشهر الحالي، للاحتجاج على الأوضاع المعيشية، عبّر هو الآخر عن غضبه من قرارات السراج بشأن التجاوب مع مطالب المتظاهرين، إلا أنه أكد، في حديثه لـ"العربي الجديد" عدم صحة الأنباء المتداولة بشأن وقوع قتلى وجرحى، محذراً من "تسييس حقوق المواطنين لرغبات شخصية ضيقة".

وقال إنّ "تلك الادعاءات التي تصدر عن مسؤولين من قادة مجلس النواب ومسؤولي حفتر تؤكّد صحة خروجنا لرفض كل الأجسام السياسية التي لم تعد تعمل لصالحنا بل لمصالح بقائهم في مناصبهم"، محذراً كذلك مما وصفه بارتفاع مستوى المطالب.

وأضاف أنّ "هناك أصواتاً بالفعل بيننا تنادي بإسقاط المجلس الرئاسي والنواب والدولة وتنادي بضرورة أن تتولى شريحة الشباب قيادة الدولة وشغل المناصب الحكومية".

وفي سياق منفصل، طالب المجلس الاجتماعي لقبيلة القذاذفة، في بيان، جميع أبناء القبيلة المنخرطين في قوات حفتر بـ"الانسحاب الفوري منها وإبعاد المرتزقة التابعين لحفتر عن مناطقهم في مدينة سرت"، والانضمام لمطالب القبيلة بشأن ضرورة تسليم من قتل أحد أبنائها.

وكانت قوات حفتر قد داهمت، الثلاثاء الماضي، بيت أحد أبناء قبيلة القذاذفة وقتلته، واعتقلت ما يزيد عن 125 آخرين على خلفية انضمامهم لتظاهرات تنادي بحق سيف الإسلام القذافي بالترشح في أي انتخابات سياسية مقبلة.

وأبدى المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق"، قلقه من التقارير الواردة من مدينة سرت، والتي وثقت "وقوع اعتداءات على سكان المدينة، واعتقالات، وتصفية للمدنيين"، محذراً من تبعات استغلال الهدنة ووقف إطلاق النار.

وقال المجلس، في بيان، إنّ المجلس "لن يقف مكتوف الأيدي إزاء هذه الانتهاكات والجرائم، ولن يفرط في واجباته تجاه حماية الشعب الليبي والسعي للانتقال به سلمياً إلى مرحلة أكثر استقراراً توفر له الحياة الكريمة فوق أرضه".

وبحسب الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، فإن تقارباً فيما يبدو بين حفتر ورئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، بدأ في الظهور مجدداً لمواجهة الغضب الشعبي الذي بدأ يتشكل في شرق ووسط ليبيا، مبيناً أنّ فرقاً أمنية تابعة لحفتر أجهضت محاولة للتظاهر في مدينة البيضاء، مقر الحكومة المنبثقة من مجلس النواب، للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية على غرار تظاهرات طرابلس.

ورأى الأطرش، في حديث لـ"العربي الحديد"، أنّ "بوادر الغضب الشعبي الذي بدأ يتشكل في مناطق سيطرة حفتر أو في مناطق سيطرة حكومة الوفاق يمكن أن يعكس مؤشرات مشهد جديد، وفق سيناريوهين".

وشرح أن "السيناريو الأول يتمثل في تنامي الغضب الشعبي في ما يشبه الثورة في عام 2011 وهو السيناريو الأبعد، أما الثاني فهو أن يشكل الاحتجاج الشعبي عامل ضغط للوصول سريعاً إلى مرحلة سياسية جديدة تختفي فيها كل الوجوه المتواجدة في المشهد حالياً".

ولم يستبعد الأطرش "سيناريو نجاح إجهاض الحراك الشعبي ووأده قبل تزايده بسبب تنفذ السلاح وارتباط الواجهة السياسية بالمجموعات المسلحة المنتشرة بكثافة في ليبيا".