إن كان لجوء الفلسطينيين من ديارهم، جاء نتيجة حدث مأساوي كبير تمثل في هزيمة حرب 1948، والتي لا تزال ظلالها تخيم على المنطقة العربية، فإن ظاهرة الشتات الفلسطيني، وإنْ تحمل ضمنا المعنى نفسه، يمكن استثناؤها من هذا السياق، إذ إنها بالمعنى الخاص، تعنى الذهاب إلى منافٍ أبعد وأبعد من دول الطوق الفلسطيني، كما وإذا ما كان اللجوء والشتات، وجهين لعملة واحدة مرتبطتين بمعاني الوحشية والظلم والقهر الجماعي، إلا أن للشتات الفلسطيني، حكاياه المركبة التي تتجاوز المفاعيل المباشرة للنكبة، كونه لم يرتبط بالعامل الإسرائيلي وحده، بل أيضاً بعوامل قهر سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية تنامت داخل الدول العربية ذاتها، حملت بعض الفلسطينيين للخروج مبكرا ومنذ أوائل الخمسينيات إلى قارات أبعد.
وأخذ الشتات الفلسطيني بالتشكل عبر حركات فردية بداية، إذ لم تسجل عمليات هجرة أو تهجير جماعية إلى أيّ من دول الطوق إلى الخارج، باستثناء تلك المرتبطة بحركة النزوح للعمل في إمارات الخليج العربي التي كانت لا تزال واقعة تحت الحماية البريطانية حينها فضلا عن السعودية. أما خارج هذه الدائرة، فكان الوجود الفلسطيني متناثرا ومحدودا حول العالم، إذا ما تم استثناء الهجرات الشامية ومنها الفلسطينية الحادثة نهاية عصر الدولة العثمانية إلى الأميركتين، والجنوبية منهما على وجه الخصوص.
ويمكن وضع نقطة بداية لتاريخ نشوء الشتات الفلسطيني بهزيمة حرب عام 1967 أو النكبة العربية الثانية. دفعت نتائج هذه الحرب الكارثية بكثير من الفلسطينيين حبيسي المخيمات والقمع المشترك إسرائيليا وعربيا، للهجرة من الدول المضيفة للاجئين، إلى منافٍ أبعد كان بحكم الجغرافيا لأوروبا النصيب الأكبر منها. ولقد شكل الطلبة الجزء الأساسي من موجات الهجرة الجديدة خصوصا إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، وهو ما خلق نقطة تحول مهمة في حضور الشتات الفلسطيني في الخارج، إذ صار إضافة إلى العدد هناك ثقل نوعي، ترافق مع انطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني وازدياد الحاجة إلى التعبئة والحشد لتعريف الرأي العالمي والغربي منه تحديدا بحقيقة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني والحقيقة العدوانية للمشروع الصهيوني. وكان للحرب الأهلية في لبنان وحرب 1982 وتاليا حرب المخيمات وفتح باب الهجرة إلى ألمانيا أيضا عقب الانتفاضة الأولى، دور كبير في تدفق أعداد أكبر من الفلسطييني إلى مناطق الشتات.
هذه التدفقات كما سلف خلقت زخما في الحراك السياسي والنشاط النضالي على الساحات الدولية لمحاصرة الرواية الإسرائيلية، ومن ثم تحقيق اختراقات مهمة خصوصا في الرأي الشعبي في أوروبا وأميركا اللاتينية تجاه حقيقة ما يتعرض له الفلسطينيون.
وصار حالياً للشتات الفلسطيني حضور مهم في معادلة الصراع مع إسرائيل، وإن أجهض بعيد اتفاق أوسلو والانقسام الفلسطيني وتاليا نمو حركات اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا والشعبيوية في الغرب، إلا أنه ومع ذلك حقق اختراقات معقولة على مستوى BDS وفي الأنشطة البرلمانية وفي دول عدة حول العالم وإن كانت على هامش التأثير في القرار الدولي.
(العربي الجديد)
تصوير: ناصر السهلي
وأخذ الشتات الفلسطيني بالتشكل عبر حركات فردية بداية، إذ لم تسجل عمليات هجرة أو تهجير جماعية إلى أيّ من دول الطوق إلى الخارج، باستثناء تلك المرتبطة بحركة النزوح للعمل في إمارات الخليج العربي التي كانت لا تزال واقعة تحت الحماية البريطانية حينها فضلا عن السعودية. أما خارج هذه الدائرة، فكان الوجود الفلسطيني متناثرا ومحدودا حول العالم، إذا ما تم استثناء الهجرات الشامية ومنها الفلسطينية الحادثة نهاية عصر الدولة العثمانية إلى الأميركتين، والجنوبية منهما على وجه الخصوص.
ويمكن وضع نقطة بداية لتاريخ نشوء الشتات الفلسطيني بهزيمة حرب عام 1967 أو النكبة العربية الثانية. دفعت نتائج هذه الحرب الكارثية بكثير من الفلسطينيين حبيسي المخيمات والقمع المشترك إسرائيليا وعربيا، للهجرة من الدول المضيفة للاجئين، إلى منافٍ أبعد كان بحكم الجغرافيا لأوروبا النصيب الأكبر منها. ولقد شكل الطلبة الجزء الأساسي من موجات الهجرة الجديدة خصوصا إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، وهو ما خلق نقطة تحول مهمة في حضور الشتات الفلسطيني في الخارج، إذ صار إضافة إلى العدد هناك ثقل نوعي، ترافق مع انطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني وازدياد الحاجة إلى التعبئة والحشد لتعريف الرأي العالمي والغربي منه تحديدا بحقيقة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني والحقيقة العدوانية للمشروع الصهيوني. وكان للحرب الأهلية في لبنان وحرب 1982 وتاليا حرب المخيمات وفتح باب الهجرة إلى ألمانيا أيضا عقب الانتفاضة الأولى، دور كبير في تدفق أعداد أكبر من الفلسطييني إلى مناطق الشتات.
هذه التدفقات كما سلف خلقت زخما في الحراك السياسي والنشاط النضالي على الساحات الدولية لمحاصرة الرواية الإسرائيلية، ومن ثم تحقيق اختراقات مهمة خصوصا في الرأي الشعبي في أوروبا وأميركا اللاتينية تجاه حقيقة ما يتعرض له الفلسطينيون.
وصار حالياً للشتات الفلسطيني حضور مهم في معادلة الصراع مع إسرائيل، وإن أجهض بعيد اتفاق أوسلو والانقسام الفلسطيني وتاليا نمو حركات اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا والشعبيوية في الغرب، إلا أنه ومع ذلك حقق اختراقات معقولة على مستوى BDS وفي الأنشطة البرلمانية وفي دول عدة حول العالم وإن كانت على هامش التأثير في القرار الدولي.
(العربي الجديد)
تصوير: ناصر السهلي