حسن يغيّر قواعد اللعبة

حسن يغيّر قواعد اللعبة

02 مايو 2018
كرة قدم (رسم فؤاد هاشم)
+ الخط -
منذ بدأت أدرك الأشياء والهوايات والألعاب، راحت لعبة كرة القدم تلاحقني في المدرسة وفي موقف سيارات المبنى الذي نسكنه وفي الضيعة في أثناء العطل الصيفية أو عند الهروب من الحروب التي كانت تدور في بيروت بين الفينة والأخرى. وكان الأطفال يتجمعون في البيدر، كلّ يوم قبيل مغيب الشمس، وينقسمون إلى فرق بتسميات مختلفة، منهم الأرجنتيني ومنهم البرازيلي والإيطالي والألماني. حينها، كنت أحاول أن أحشر نفسي بينهم، ربما تصير شغفاً لي. لكنّني اكتشفت أنّ كرة القدم ليست لي وأنّها عقاب ومضيعة للوقت. جرّبت الهجوم والدفاع قبل أن يتّفق الجميع على أن أكون حارس مرمى، نظراً إلى عدم كفاءتي، ليس من الناحية الجسدية إنّما لأنّ خططي بعيدة كل البعد عن لعبة الفوتبول.

وقرّرت تغيير استراتيجياتي في ألعاب الضيعة والمدينة. في الضيعة، ألّفت "عصابة" من بعض الأصحاب وكنت أنا القائد، ليس بسبب الكاريزما التي كنت أتحلى بها أو لحنكتي ودهائي في القيادة. فقد صودف وجود غرفة للعدّة والأشياء المهملة تحت درج بيت جدي، جعلت منها مقراً للعصابة. وشاءت الصدف الجغرافية أن يقع بيت جدي على طرف الجبل، في حين كانت مقبرة الضيعة تفصل بين الجبل والبيت. تلك المقبرة أمّنت لنا مركزاً آخر لاجتماعات العصابة. أمّا مهمتنا فكانت اكتشاف المغاور في الجبل - هناك تعلّمت التدخين للمرة الأولى - وملاحقة العصابات الأخرى في الضيعة أو الهروب منها. وكانت تدور حروب بالنقّيفات (المقاليع) المصنوعة من الخشب والمطاط الذي كنّا نستخرجه من إطارات السيارات التالفة، في حين كانت ذخيرتنا من حبّات أشجار الزنزلخت التي كانت تغطّي مساحة كبيرة من المقبرة.
وأكملت حياتي بعد ذلك من دون كرة قدم، لا كمشاهد ولا كلاعب ولا حتى كمشارك في الأحاديث المتعلقة بها، إلا في المونديال مرّة كل أربع سنوات من باب التسلية لا أكثر. لكنّ ابني حسن غيّر القاعدة. هو يجبرني على مشاهدة اللعبة وبصورة دائمة، والتعرّف على الدوريات العالمية، وحفظ أسماء اللاعبين من المشاهير وكذلك من المنسيين والاحتياط والمدربين، بالإضافة الى تنزيل التطبيقات الخاصة باللعبة المشهورة. وقد بتّ في بعض الأحيان أسال بعض العارفين بخبايا الفوتبول، حتى أكون من ضمن الأجواء التي يحبّها حسن ومن ضمن اهتماماته. وهو بعد كلّ مباراة نشاهدها معاً، يغمرني بفرح ويقول لي: "بعرف إنّك ما بتحبّ الفوتبول، بس شكراً".




قبل أن يكتشف حسن عالم كرة القدم، كنت مخيّراً بين المشاهدة وعدمها. اليوم، أعترف بأنّني صرت مسيّراً، على الرغم من محاولاتي الفاشلة لعدم مشاركته هوايته وعشقه والهرب إلى عصابة أخرى تختلف عن تلك التي كانت تتمركز في غرفة تحت الدرج.

المساهمون