حسام الخطيب في فلسطين

حسام الخطيب في فلسطين

20 نوفمبر 2015

حسام الخطيب يتسلم جائزة فلسطين التقديرية (وفا)

+ الخط -

مبهجٌ أنْ تفطن جهةٌ فلسطينيةٌ حكومية رسمية، ولو متأخرةً جداً، لوجوب تكريم الدكتور حسام الخطيب (83 عاماً). وأن يكون أستاذ الأجيال، في فلسطين، لأول مرة، بعد نزوحه منها، من مسقط رأسه طبريا، قبل 75 عاماً، فالبهجة تصير غزيرةً. وأنْ يخصّه الرئيس، محمود عباس، بتنويهٍ استثنائي وجليل القيمة، في حفل التكريم، فذلك أقلّ ما يستحقه هذا الاسم الفلسطيني السوري المضيء. يتعلق الحديث، هنا، بمنح الدكتور الخطيب، متّعه الله بالصحة والعافية، جائزة فلسطين التقديرية، مع مكرّمين فلسطينيين مبدعين آخرين في الآداب والثقافة والفنون (أحدهم زميلنا القاص زياد خداش)، وهي الجائزة التي أعادت وزارة الثقافة الفلسطينية انتظامها، أخيراً، بعد توقفها 14 عاماً، وجرى حفل التكريم الاثنين الماضي في رام الله. وحسام الخطيب، بإيجازٍ (مخلٍّ طبعاً)، هو أستاذ الأدب المقارن في جامعات عربية عدة، وصاحب أكثر من 30 كتاباً في النقد والبحث الأدبي والتجديد اللغوي والتربية والترجمة، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قبل 44 عاماً. وفي مسيرته العلمية والأكاديمية، حظي بأكثر من تكريم في غير بلد، ونال جائزة الملك فيصل العالمية. وتنتبه إليه "دولة فلسطين"، الآن، فتكرّمه بجائزتها التقديرية في الحقل الثقافي، في حفلٍ يعلن فيه محمود عباس أن أستاذنا كان من الأعضاء التسعة في الخلية الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي صيغ بيان انطلاقتها في منزله في دمشق.

للسوريين في الدكتور حسام الخطيب حصة كبرى ووازنة، وقد كان من أساتذة جامعة دمشق سنوات، وعلى ما قال عارفون، فإنه أول من أدخل مصطلح الأدب المقارن في سورية. وعمل معاوناً لوزير التعليم العالي، ومستشاراً في رئاسة مجلس الشعب، وترأس تحرير مجلة رائدة هي "الآداب الأجنبية" في دمشق، وكتب مؤلفات ودراسات عن إبداعات كتاب سوريين عديدين، وقد اجتمعت فيه فلسطينيته وسوريته ببهاء استثنائي الانتماء. وله كتاب عن "التجربة الثورية الفلسطينية"، أصدرته وزارة الثقافة السورية في 1972. وفي أثناء عضويته في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بين 1969 و1971 أسّس دائرة الشؤون الثقافية في المنظمة. ومن بديع ما نعرف عنه، على ما تقول ابنته الإعلامية المعروفة، ديمة الخطيب، إنه كان يمنع الحديث في المنزل بالعامية، في وجوده على الأقل، فإما الفصحى أو لغة أجنبية، وهو الذي نال الدكتوراه من جامعة كامبريدج.

أتذكّرني، طالعتُ قبل سنوات، الكتاب التكريمي للدكتور حسام الخطيب، (تحرير محمد شاهين)، وساهم فيه نخبة من أعلام الثقافة العربية، بينهم إدوارد سعيد. ولا أنسى جلسة طويلة، في ضيافة أستاذنا في منزله في الدوحة، قبل عشرين عاماً، طافت فيها الأحاديث على سورية وفلسطين، وعلى قضايا في الأدب والثقافة والسياسة. وأفرح عندما أصادفه في مناسبات وندوات، غير قليلة، في الدوحة، بأناقته الخاصة ومزاجه الرائق، ندردش سريعاً، ثم نتفق على مواعيد مفتوحة للقاءاتٍ لا تنعقد. وأتعلم الكثير عندما أقع على شيء منه، وأحسب أن حرصه الخاص على اللغة العربية، ووجوب احترامها الدائم، من أبلغ ما أفدتُ من أستاذيته الرفيعة، وثمّة قيمة نوعية للاجتهادات التي يبسطها في كتابه "اللغة العربية، إضاءة عصرية" (القاهرة، 1995). وإذا رحتُ إلى فلسطين وسورية (والعكس صحيح) في الدكتور حسام الخطيب، فإن وقتاً كثيراً أحتاج لأن أنفقه في إشهار إعجابي الخاص بالمعادلة الحاذقة لديه، والتي لا يؤاخي فيها بين وطنين فقط، وإنما يبثهما، أيضاً، وجداناً خاصاً، جامعاً، وحاراً.

أصابت كثيراً جائزة فلسطين التقديرية في دورتها الجديدة التي عادت بها إلى الانتظام، عندما منحت للدكتور عبد الرحمن ياغي (شافاه الله وعافاه) والمؤرخ محمد ربيع وللدكتور حسام الخطيب، عن مجمل أعمالهم، ولمبدعين آخرين، لكل منهم تهنئة واجبة. ويُؤمل أن تنهض هذه الجائزة، دائماً، بشيء من الواجب اللازم تجاه فلسطينيين كثيرين من ذوي العطاء الثقافي النبيل.

 

358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".