حروب اليمين الإسرائيلي تهدد حكومة نتنياهو

حروب اليمين الإسرائيلي تهدد حكومة نتنياهو

30 مايو 2016
يسعى بينيت لتسلّم رئاسة الوزراء مستقبلاً (غالي طيبون/فرانس برس)
+ الخط -

لا شيء يُعبّر عن التحوّلات السريعة في السياسة الإسرائيلية وانتهازية المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي، مثل التطورات الأخيرة والأزمة المفتعلة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وبين زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، حول التصويت لصالح اتفاق الائتلاف الحكومي الجديد مع زعيم "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان.

ولعلّ من اللافت في هذا السياق أن "البيت اليهودي"، الذي كان أقطابه أول من رحّبوا "برحيل" وزير الأمن السابق موشيه يعالون عن وزارة الأمن، بعد نعته بأنه "أضرّ بحركة الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة"، تحوّل خلال ساعات من الإعلان عن الاتفاق الائتلافي بين ليبرمان ونتنياهو، إلى الطرف الذي "يضع المنشار في العقدة"، من خلال توجيه إنذار لحكومة نتنياهو بعدم التصويت لصالح الاتفاق، ما لم يتم إدخال تعديل على آلية عمل "الكابينيت" (مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر).

هذا التطور والتحول في موقف "البيت اليهودي"، لدرجة التهديد بإسقاط الحكومة الإسرائيلية، تحت ستار أن "حياة الجنود أهم من البقاء في الحكومة" وفق تصريح بينيت، أمس الأحد، غطى بسرعة على التحليلات التي تمحورت، الأسبوع الماضي، حول اعتبار "حكومة نتنياهو الجديدة" مع ليبرمان، "الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، وهو توصيف غير دقيق بالضرورة.

في هذا السياق، لا يُمكن فهم التطورات الدراماتيكية في إسرائيل، سواء تمّ حلّ الإشكال الحالي مع بينيت أم لا، من خلال اعتبار حكومة نتنياهو يمينية بامتياز، من دون النظر إلى التنافس والتوتر الشديدين بين التيارات الرئيسية الثلاثة التي تحكم اليمين الإسرائيلي وتسيطر عليه، ويسعى كل منها لبسط هيمنته هو على اليمين وقيادته.

وفي مقدمة هذه التيارات، تيار اليمين التقليدي، الذي يمثله الليكود وحركة "حيروت" التاريخية، التي قادها على مدار 40 عاماً في إسرائيل مناحيم بيغن، وخليفته اسحاق شامير، كممثلين لتيار الصهيونية التنقيحية، الذي أسسه زئيف جابوتينسكي أواخر القرن التاسع عشر. وقد شكّل هذا التيار الخصم الأساس لتيار الصهيونية العلمانية، بقيادة دافيد بن غوريون.

كما شهد تيار اليمين التقليدي، انزياحاً أكبر نحو اليمين الفاشي والمتطرّف قومياً منذ أواسط التسعينات، بقيادة نتنياهو، وانعكس ذلك بشكل أكبر في العقدين الماضيين، مع تعزيز التحالف مع اليمين الديني الاستيطاني، الذي اتجه بدوره نحو التطرف أكثر فأكثر لجهة يمين ديني قومي متطرف، منذ قطع العلاقة والتعاون التاريخي بين حزب "مفدال" التاريخي، الذي مثل هذا التيار سنوات مع حكومات العمل.

أما التيار الثاني الذي يصارع اليوم، بشكل بارز للعيان على الهيمنة على اليمين في إسرائيل، فهو التيار الديني الصهيوني، الذي بات اليوم موحّداً بشكل شبه كامل تقريباً، من خلال الائتلاف بين حركة "تكوما" وبين "مفدال" في "البيت اليهودي". وذلك بعد أن أعاد بينيت بناء الحزب مجدداً، مستفيداً من كونه محارباً في سرية هيئة الأركان، كعامل جذب للشباب اليهودي المتديّن لصفوف الحزب. وقد تمكن بينيت من وضع أولوية الاستيطان في "كافة أنحاء إسرائيل" مع تعزيز القيم اليهودية الدينية في مختلف مناحي الحياة، وتعزيز حجم ودور جنود التيار الديني الصهيوني في جيش الاحتلال.

أما التيار الثالث، الذي لا يزال يحتل عملياً المرتبة الثالثة في اليمين الإسرائيلي من حيث حجمه، والذي يمثله ليبرمان، فقائم بشكل أساسي عملياً على نسخ قيم شوفينية قومية مع نزعات فاشية معلنة، كالتي ميزت الحركات الشوفينية في أوروبا الشرقية وروسيا قبل الثورة البلشفية، وفي أوج سنوات الثلاثينات في وسط أوروبا.

ولا يمكن في واقع الحال فهم الأزمة الحالية بين بينيت ونتنياهو من دون هذا التنافس والتوتر بين مختلف أجنحة اليمين الصهيوني، مع الأخذ أيضاً بعين الاعتبار بالسيرة الذاتية، أو المميزات الشخصية لكل من ليبرمان من جهة وبينيت من جهة ثانية، خصوصاً أن الأخير افتعل الأزمة الحالية في سياق خطوة استباقية، لمنع ليبرمان من تحقيق مكاسب في اليمين الإسرائيلي من ديوان وزارة الأمن.

هذا الأمر يفسر بشكل واضح سبب إصرار بينيت على مسألة تعيين سكرتير لـ"الكابينيت"، كشرط للتصويت مع ضمّ ليبرمان للحكومة، لأن تحقيق هذا الشرط سيعني بالضرورة إقراراً بأن بينيت، الذي خدم في سرية النخبة، وشارك في حروب إسرائيل، وآخرها حرب لبنان الثانية عام 2006، أكثر دراية وخبرة في قضايا "أمن إسرائيل"، مقارنة بليبرمان، الذي لم يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي سوى لعام واحد في جهاز الحكم العسكري في الخليل، ولم يشارك في المعارك الميدانية.

في هذا الإطار، ينطلق بينيت في سعيه لفرض هيمنته على اليمين في إسرائيل، طمعاً في الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء، من بطاقة الدخول البديهية في إسرائيل، وهي الخدمة في الجيش ومحاربة "العدو العربي"، مع الترويج للهوية اليهودية الصهيونية، بينما يواصل ليبرمان سعيه لكسر حاجز خلفيته كمهاجر قدم عام 1978 من مولدوفا.

وقد تجلّى ذلك في تصريح أطلقه ليبرمان بعد توقيع الاتفاق مع حزب الليكود، الأسبوع الماضي، جاء فيه إن "تعيينه وزيراً للأمن، يُشكّل تحطيماً للقبة الزجاجية غير المرئية، التي شكّلت حاجزاً أمام الاندماج الكامل والمطلق للمهاجرين الروس".

وفي مقابل التصريحات الشوفينية المتطرفة والعنصرية ضد العرب من ليبرمان، فإن بينيت يحاول اتباع نهج يبتعد عن خطاب التحريض والعنصرية، على الرغم من إدراجه في جهاز التربية والتعليم. كما لا يتردد بينيت عن إطلاق تصريحات حول حق العرب في الداخل بالمساواة كمواطنين متساوين، بعيداً عن خطاب التحريض الذي تحمله تصريحات ليبرمان في كل ما يتعلق بإلزام العرب في الداخل، بإعلان الولاء لدولة إسرائيل، مقابل أدنى حق مثل الحصول على بطاقة الهوية.

وفي ظل هذا الواقع والتوتر بين "أقطاب اليمين الإسرائيلي" الحالي، فإن نتنياهو الذي كان أبدى بعد الانتخابات في مارس/آذار من العام الماضي، حماساً لتشكيل حكومة مع شركائه الطبيعيين، قد يجد نفسه في حال عدم التوصل إلى تسوية مع بينيت، يفقد حكومته، عند سعيه لضمّ القوة اليمينية الوحيدة التي بقيت خارج ائتلافه الحكومي والممثلة بحزب أفيغدور ليبرمان... "يسرائيل بيتينو".