حرب لبنان "الثالثة".. واقع التسخين الراهن والمواجهة المؤجلة!
حرب لبنان "الثالثة".. واقع التسخين الراهن والمواجهة المؤجلة!
حشد من دبابات جيش الاحتلال عند الحدود اللبنانية الفلسطينية(30يوليو/2006/Getty)
تتزايد، يوماً بعد يوم، حدة التوترات والتهديدات الإسرائيلية بشن هجوم عسكري واسع، ضد قوات حزب الله في الجنوب اللبناني، في ظل انشغال الحزب بالصراع في سورية، وبرد هجمات من "داعش" و"النصرة" على قرى حدودية مع سورية، توجد فيها قوات لحزب الله. وبعد يومين من التوتر والاشتباك المحدود، أعلن الحزب مسؤوليته عن عملية مزارع شبعا التي جرت يوم الثلاثاء الماضي (6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري)، وهذه إشارة إلى أن الحزب لم يعد يخشى الاتهامات الإسرائيلية عن مسؤوليته عن التوتر المتزايد على جانبي الحدود. ولكن، اللافت، ومما يصدر عن الجانبين؛ أنهما ليسا في أحسن حالاتهما، لخوض حرب طويلة وكبيرة، من قبيل حرب غزة 2014، أو حرب لبنان الثانية عام 2006. وكل ما في الأمر أن التسخين الراهن لا يتم على قاعدة التمهيد للحرب، بقدر ما يقوم على قاعدة اختبار مدى قوة الردع، التي لا شك إنها فقدت مستويات عديدة لها، وعلى الجانبين.
وعلى الرغم مما أعربت عنه أوساط أمنية إسرائيلية، بشأن القلق من تآكل قوة الردع التي حققها الجيش الإسرائيلي بعد حرب لبنان الثانية، رجح محللون إمكانية اندلاع مواجهة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله على الجبهة اللبنانية، حيث أبدت أوساط عسكرية وأمنية في تل أبيب قلقها من تكرار الحوادث الأمنية على الحدود الشمالية، وأعربت الجهات العسكرية عن خشيتها من تطور التنسيق والتعاون بين الجيش اللبناني وحزب الله، والذي كان واضحاً بعد أن أصيب الأحد الماضي (الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري) شخص بسبب نيران الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان.
وفي شأن المواجهات الأخيرة، قال المحلل العسكري، أمير بوحبوط، إن حزب الله يتعمد زيادة الاحتكاك بالجيش الإسرائيلي، على الرغم من أن أياً من الطرفين، لا يريد المواجهة حالياً، وخصوصاً حزب الله في ظل ما يواجهه من مشكلات، تحيط به جراء الأزمة السورية، وغيرها من الأزمات في المنطقة، مشيراً إلى وجود قلق كبير لدى الجيش والأجهزة الأمنية من أن سوء فهم واحد، كما جرى، أخيراً، قد يشعل المنطقة، ويؤدي إلى حرب جديدة.
وفي وقت لم يستبعد مسؤولون في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أن الحرب القادمة التي تنتظر إسرائيل قد تندلع على الجبهة الشمالية أمام منظمة حزب الله اللبنانية، محذرين من أنها ستكون أصعب بكثير مع حرب غزة الأخيرة. أوضحت صحيفة يديعوت أحرنوت أن على إسرائيل أن تسارع إلى تغيير أولوياتها، ورصد الميزانيات من أجل تدريب قوات الجيش، وإعادة تأهيل جنود الاحتياط، خصوصاً بعد فشل نظرية الاعتماد على سلاح الجو والاستخبارات في الحرب الأخيرة على غزة. ونقلت عن ضابط رفيع المستوى في قيادة الأركان، وصفته بـ (العقلاني)، أن إسرائيل يجب أن تصحو، وحسب قوله: إذا لم يكن سلاح البر الإسرائيلي قوياً بما فيه الكفاية، فسيواجه مشكلة في الشمال. من هنا، قول وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه يعلون: "محظور أن نصل إلى مرحلةٍ، حيث ننظر إلى الوراء، ونقول، بأسف، إن عدم الاستثمار في الأمن كان أمراً غير مسؤول، ودفعنا بسببه ثمناً باهظاً".
في هذا السياق، كان لافتاً ما ذكر من معلومات في شأن عدم امتلاك الجيش، خطة متعددة السنوات، على خلفية صراعات الميزانية، التي اضطرته إلى عمل خطط قصيرة المدى، لا تجهز القوات للحرب، ولا توفر الأموال لشراء مركز للأدوات، ولهذا، أصيبت جاهزية الجيش للحرب في الصميم، وهذا ما كشفته حرب غزة أخيراً.
لهذا، تتوقع محافل "التقدير الاستراتيجي" في إسرائيل أن تكون حرب غزة 2014 مجرد "مزحة"، مقارنة مع أي حربٍ، قد تنشب مع حزب الله في المستقبل. وحسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، فإن الاستراتيجية الدفاعية والهجومية لإسرائيل في حرب لبنان الثالثة، يجب أن تكون مختلفة، تماماً، عن الاستراتيجية التي اعتمدت في أثناء حرب غزّة، بفعل الفارق الكبير بين القدرات العسكرية لكل من حزب الله وحركة "حماس".
وفي إفادة له أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، ذكر رئيس شبكة "أمان"، الجنرال أفيف كوخافي، أن لدى حزب الله مائة ألف صاروخ، في حين كانت تملك "حماس" قبل نشوب الحرب الأخيرة عشرة آلاف صاروخ، بحسب تقديرات "أمان"، نفد منها خلال الحرب نحو سبعة آلاف صاروخ.
وبحسب المعلق العسكري في القناة الإسرائيلية الثانية، روني دانئيل، فإنّ صواريخ "حزب الله" ذات مدى أطول بكثير من مدى صواريخ "حماس". وأشار إلى أنّ أغلب هذه الصواريخ يصل مداها حتى تل أبيب، في حين أن مدى بعضها يغطي كل فلسطين المحتلة. لكن التحدي الأكبر الذي تشكله صواريخ حزب الله يتمثل في حقيقة أنّها ذات رؤوس تفجيرية كبيرة جداً، مقارنة مع صواريخ "حماس". وفي حين أن حمولة الرأس التفجيرية لكل صاروخ من صواريخ "حماس" لا يتجاوز بضع كيلوغرامات، فإنّ الرؤوس التفجيرية لصواريخ "حزب الله" تتراوح أوزانها ما بين 240 كيلوغراما إلى ألف كيلوغرام، ما يجعل قوتها التدميرية كبيرة جداً، ناهيك عن أنها تمتاز بدقتها العالية.
ونقل دانئيل عن محافل عسكرية قولها إنه، بخلاف صواريخ "حماس"، فإن المنظومة الدفاعية ضدّ الصواريخ، المعروفة بـ "القبة الحديدية"، والمسؤولة عن إسقاط معظم الصواريخ التي أطلقت من غزة، خلال الحرب الأخيرة، غير ذات جدوى في مواجهة صواريخ "حزب الله"، ما يعني أن التهديد الذي ستتعرض له الجبهة الداخلية الإسرائيلية في حرب لبنان الثالثة سيكون كبيرا جداً. وادّعت هذه المحافل أنّ حزب الله أخفى منصات إطلاق صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في البلدات والقرى اللبنانية التي تقع جنوب الليطاني، في حين أنّ الصواريخ بعيدة المدى وذات الرؤوس التفجيرية الكبيرة موجودة في بيروت والبقاع.
علاوة على هذا كله، وبالتقاطع مع هذه المعلومات، فقد أشار المعلق العسكري في القناة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، إلى تحدٍّ بالغ "الخطورة"، يتعلق بحقيقة أنّ دقة إصابة صواريخ حزب الله، وقوتها التدميرية، تهدّد مرافق حيوية، ذات قيمة استراتيجية، مضيفاً أنّ هذه الصواريخ، ليس في وسعها إصابة مطار بن غوريون فقط، بل إصابة محطات الكهرباء الرئيسة، وحقول الغاز، ومحطات تحلية المياه، وقواعد عسكرية، وحتى المفاعل النووي في "ديمونا".
وعلى الرغم من أنّ معظم النخب العسكرية الإسرائيلية تُجمع على أنّ نتائج حرب لبنان الثانية نجحت في ردع حزب الله، إلا أنّ الجنرال أليعازر مروم، قائد سلاح البحرية السابق، حذّر من الانطلاق من هذا الاستنتاج في تقدير نيات حزب الله. وكتب، في مقال نشره موقع صحيفة "معاريف" في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ أداء جيش الاحتلال "الإشكالي" في الحرب الأخيرة على غزّة، وعجزه عن حسم المواجهة، على الرغم من ميل موازين القوى لصالحه بشكل كبير، يغري أطرافاً أخرى، في مقدّمتها حزب الله و"الحركات الجهادية" في محاولة استهداف إسرائيل.
أما عن جاهزية حزب الله، وبحسب "يديعوت أحرونوت" التي نقلت عن ضابط رفيع قوله: إن الحزب يعمل بعكس إسرائيل، فهو يتسلح، ويزداد قوة، ويتحسن، ويمتلك اليوم نحو مائة ألف قذيفة من أنواع مختلفة، أثقل وأكثر دقة ومدى أطول من التي استخدمها في العام 2006، وقدرة التنظيم على الإطلاق تبلغ ألف قذيفة في اليوم، وليس لدى إسرائيل جواب على ذلك.
وفي الماضي، وعد حزب الله بأنه سيحتل الجليل، ومن أجل هذه المهمة، لن يحتاج إلى الأنفاق، فيكفي أن يعبر الحدود، ويسيطر على إحدى البلدات الإسرائيلية، ولذلك، غيرت القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي بشكل دراماتيكي خطة الحرب، وحولتها إلى دفاعية، بالضبط كما في غزة، إلا أن التحدي في الشمال أكبر بكثير، وهناك من يقولون إن حزب الله لا يريد الدخول في حرب مع إسرائيل غداً صباحا، فالتنظيم غارق في الحرب في سورية، ويضيفون أن "داعش" ومنظمات "جهادية" أخرى، يشكلون تحدياً مهماً بالنسبة له في بيته. ولكن، حتى وإن كانت طلقة البدء في الشمال ما زالت بعيدة، إلا أنه يجب رؤية الصورة كاملة، بكل ما يتعلق ببناء القوة لحزب الله، في مقابل الصدأ الذي اعتلى قوات الجيش الإسرائيلي.
مثل هذا التقييم وغيره من التصريحات والتقديرات الإسرائيلية، يستشف منه مدى التشاؤم والإحباط الذي يعيشه الإسرائيليون، في المستويين السياسي والعسكري، إلى حد استبعاد الحرب، في ظل عدم التيقن من قدرة الجيش، بأسلحته والقرار السياسي للائتلاف الحكومي، من الثبات على موقف موحد. ففي الحرب العدوانية الأخيرة على غزة، لم يكن أداء المستوى السياسي متفقاً ولا منسجماً مع الأداء العسكري الذي وجد من يوجه الانتقاد له من داخله، إضافة إلى آخرين، لم يوفروا القرار السياسي وتبعثره، وعدم حسمه طوال فترة الحرب.
وفي المقابل، يبدو حزب الله منهكاً ومشتتاً، جراء مشاركته بالحرب داخل سورية، وفي لبنان في مواجهة داعش والنصرة، والتنظيمان يحاولان التمدد داخل لبنان، وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة لتضييق الخناق على الحزب؛ وهذه معضلة مستجدة، لا تجعل من قرار الحرب سهلاً، أو متحرراً من القيود والمعوقات التي ما برحت تتراكم. الأمر الذي قد يزيد من عمليات التسخين، في الوقت الذي يمكن أن يؤجل إمكانية المواجهة في حرب لبنان الثالثة، ولا سيما أن التطورات الإقليمية والتدخلات الدولية في سبيلها إلى نشر تعقيدات متشابكة عديدة وإشاعتها، والتي ليس من السهل فكفكة عقدها المتزايدة.