حرب قذرة وحرب نظيفة

03 اغسطس 2014
+ الخط -

أوشكت حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة أن تكمل الشهر، وقد استعمل فيها العدو كل أسلحته الفتاكة، جواً وبحراً وبراً، في محاولة لكسر المقاومة الفلسطينية، وقد ذهب ضحيتها أكثر من 1400 شهيد وشهيدة، إضافة إلى أزيد من سبعة آلاف جريح، معظمهم من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء.

إن الصور التي تنقلها وسائل الإعلام يومياً، عن استهداف الطيران الحربي الصهيوني، لمنازل السكان والمدارس والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء، أكبر شاهد على أن كيان الاحتلال الدموي لا يميز في حربه بين مدنيين وعسكريين، وأن ما يسوقه من ادعاءات عن دوافعه من العدوان على أهل غزة، لأجل تدمير الأنفاق، وشل قدرات المقاومة، كذب وتضليل للرأي العام العالمي، حتى يضفي على حربه العدوانية الإبادية، مسوغا أخلاقياً وسياسياً.

هذا الكيان العنصري الإرهابي الذي اغتصب أرض فلسطين، قبل أكثر من 60 عاماً، ويحظى بدعم دولي، وحماية أميركية وأوروبية من أي ملاحقة قضائية عن جرائمه، لا يتورع في حربه العدوانية عن استهداف المدنيين الفلسطينيين، داخل منازلهم، وفي الأسواق كما حصل في سوق الشجاعية أخيراً، وحتى مدارس "أونروا" لم تسلم من همجيته، وقد كانت الأسر الفلسطينية الهاربة من القصف الصهيوني تعتقد أنها مأوى آمن، وتبين للعالم أنه ليس في قلوب المستعمرين الحاقدين رحمة، ولا يملكون أخلاقاً ولا إنسانية.

كنا نعتقد أن مشاهد القتلى من الأطفال الأبرياء والأمهات الثكالى، ستهز ضمير ما يسمى بالعالم الحر. لكن، يبدو أن الضمير العالمي لا يتحرك إلا عندما تكون الضحية من أقليةٍ ما، فيتحرك المجتمع الدولي بسرعة البرق، بحجة حمايتها، ونشاهد حركة غير عادية في أروقة الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، ولو اقتضى ذلك استصدار قرار من مجلس الأمن بإعلان الحرب، مستغلين حساسية وضع الأقليات، ليفرضوا هيمنة أوسع على المنطقة.

أما إذا كان الضحية فلسطينياً، ويقتل بيد الصهاينة، فلا حديث عن مبادئ حقوق الإنسان، ولا عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا عن حقوق الطفل والنساء، ولا عن حقوق المدنيين في الحماية خلال الحروب والنزاعات. وبصراحة، الدول الغربية التي تدعم الكيان الصهيوني وتحميه لا تعتبر الدم الفلسطيني محرّماً، بل لا تعترف حتى بحقوق الإنسان لنا، وهذا ما يفسر صمتها المطبق عن المجازر الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين، وتواطؤها المفضوح في تقديم الغطاء السياسي والدبلوماسي لهذا الكيان العنصري.

وبالتالي، العالم الغربي الذي كان وراء خلق هذا الكيان شريك في حرب الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين، من منطلق عقائدي صرف، أي أن نظرته إلى العرب والإسلام والمسلمين دونية، مستمدة من العقيدة الاستعمارية الصهيونية العنصرية التي ترى في العرب والمسلمين شعوباً متخلفة، ويجب أن تبقى غارقة في تخلفها.

كما هو متعارف عليه دولياً، فإن إطلاق صفة الإرهابي على شخصٍ، أو كيان، ترتبط أساساً باستخدام القتل ضد مدنيين عزل، وبالتالي، يخوض هذا الكيان الإرهابي حرباً قذرة، ضد المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، وحتى الصحفيين. في المقابل، قدمت المقاومة الفلسطينية درساً مرموقاً في دفاعها عن الوطن، وأبانت عن أخلاق قتالية عالية، على الرغم من همجية العدو ودمويته، وضعف إمكاناتها المادية والعسكرية، لكن، لم تستهدف في دفاعها، إلا الجنود والمقاتلين الصهاينة، وتمكنت بشجاعة من قتل عدد ليس قليلاً من الجنود الصهاينة، من دون أن تسجل عليها قتلى من المدنيين الصهاينة.

وإذا كانت الخسائر البشرية والمادية في صفوف الشعب الفلسطيني كبيرة، بالمقارنة مع خسائر العدو الصهيوني، نظراً لتفوقه العسكري، وللدعم الدبلوماسي والسياسي الذي يحظى به من القوى الكبرى، إلا أن المقاومة الشعبية الفلسطينية استطاعت أن تزلزل كيان الاحتلال، وتضرب أمنه في العمق، وتلحق خسائر مهمة في جنوده، وتخلق حالة من توازن الرعب، وتحقق انتصاراً عليه، بدفاعها عن قضية عادلة، هي تحرير فلسطين من الاحتلال، وخوضها حرباً نظيفة، موجهة أساساً إلى جنود العدو، وتنأى بنفسها عن إصابة الأهداف المدنية، عكس ما يقوم به جيش الاحتلال الصهيوني الذي يستبيح كل شيء، ويخوض حرباً قذرة، يستخدم فيها كل ترسانة القتل والدمار، من دون تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.

وبذلك، تكون المقاومة الفلسطينية قد حققت تفوقاً قتالياً على العدو الصهيوني، وانتصاراً أخلاقياً في حربها الدفاعية عن أرض فلسطين.

CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
فؤاد الفاتحي (المغرب)
فؤاد الفاتحي (المغرب)