حرب الاحتلال المُستمرة

حرب الاحتلال المُستمرة

31 مايو 2017
+ الخط -
تسلّم الجنرال موتي ألموز، أخيرا، منصب رئيس "قسم القوى البشرية" في جيش دولة الاحتلال الإسرائيلية، منتقلًا إليه من منصب المتحدّث بلسان الجيش. وبهذه المناسبة، أجرى معه موقع "المصدر" الإسرائيلي الإلكتروني، الدعائيّ الناطق بالعربية، مقابلة سُئل فيها عن أبرز انطباعاته من آخر حربٍ تم شنّها على قطاع غزة في صيف 2014، فاختار أن يجيب السائلة: "قد تدهشين، عندما تسمعين أن عملية الجرف الصامد (الاسم الإسرائيلي لتلك الحرب) لم تنتهِ من جهتنا. طالما أن هناك إسرائيليّين مُحتجزين في قطاع غزة، فالحرب لم تنتهِ. ومن واجبي بصفتي ضابط جيش، ورئيس قسم القوى البشرية، إعادة الإسرائيليين إلى بيوتهم، حتى وإن كانوا موتى".
تعيد أقوال ألموز هذه إلى الأذهان تصريحاتٍ سبق أن أدلى بها أحد رؤساء هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، أكد فيها أن وظيفة هذا الجيش منحصرةٌ إمّا في خوض الحرب أو في الاستعداد لها، مفترضًا، في العُمق، أن الحرب سيرورة مستمرة في كينونة دولة الاحتلال. وغالبًا ما يتم تبرير ذلك بمسوّغاتٍ عديدة، في مقدمها أن تلك الدولة ما انفكّت تواجه مخاطر وجودية، وأن الحيّز الإقليمي المُحيط بها هو بمثابة النقيض الثابت التام والمُطلق لها.
لا أدعّي أنني أكشف جديدًا بهذا، لكن الجديد هنا كامنٌ في الإقرار بأن الحرب خيارٌ طالما يؤكد المسؤولون أنها مستمرة، حتى وإن أزاحت تصريحاتهم بشأنها المسؤولية عن كاهل دولة الاحتلال. ويحل هذا الإقرار محلّ ادّعاء إسرائيلي راسخ، فحواه أن معظم الحروب هي بمنزلة "حروب اللاخيار". وفيما يخصّ هذا الادعاء، تداول أنصار بنيامين نتنياهو، تحت عنوان "رئيس الحكومة يُخرس منتقديـه"، شريط تسجيل لردّ له على سؤال وُجّه إليه في جلسة عقدتها لجنة الكنيست البرلمانية قبل شهر، وخصصتها للبحث في تقرير مراقب الدولة حول الحرب على غزة عن "المستقبل الذي يعرضه على سكان إسرائيل"، قال فيه: "لا يمكن حل مشكلة حماس من دون الاحتلال التام (لقطاع غزة)... ليست لديّ إمكانية لتطهير الشرق الأوسط الذي حوّلنا من الإيديولوجيات المتوحّشة".
وفي هذه الأيام تحديدًا، تبدّد هذا الادعاء كذلك عن أكثر الحروب التي دأبت إسرائيل على أن تدرجها ضمن "حروب اللاخيار"، وهي حرب يونيو/ حزيران 1967، فقد دلّت محاضر اجتماعات الحكومة الإسرائيلية الأمنية عشية تلك الحرب، وقد كُشف النقاب عن بعضها حديثًا في مناسبة ذكرى مرور نصف قرن عليها، على أن دولة الاحتلال كانت البادئة بها، ما أجّج سيلًا من التساؤلات حول تناقضات الرواية الإسرائيلية حيالها. وتمثّل أهم هذه الأسئلة باثنين: أولًا، إذا كانت دولة الاحتلال هي البادئة بالحرب، فكيف يمكن الزعم أن الطرف العربي هو المعتدي؟ ثانيًا، إذا كانت تلك الدولة تعرّضت على أعتاب تلك الحرب إلى "خطر القضاء عليها"، فكيف استطاعت أن تنتصر على ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام؟
وحتى قبل كشف هذه الوثائق، كتب رئيس جهاز الموساد السابق، الجنرال مئير عميت، مقالًا في 1992، ذكر فيه أن عامل الزمن شكل أحد الفوارق الكبيرة بين حرب 1967 وحرب سيناء في 1956، وأن ما سميت "فترة الانتظار" كانت في مصلحة إسرائيل، لأن العالم اعتاد في أثنائها تصوّر أنها عرضةٌ للتهديد، كما أن واقع عدم عرض الوضع على حقيقته ساعد في حشد التأييد العالمي لها. وفيما يتعلق بحرب سيناء، كانت الأوضاع، من ناحية الوقت، صعبة جدًا، إذ لم تكن إسرائيل تعرف متى ستبدأ الحرب بالضبط، ونجم عن ذلك أنها جهزت نفسها خلال فترة التعبئة، واضطرّت إلى حشد القوات على وجه السرعة، وكانت هناك قوات جلبت من معسكراتها مباشرةً إلى خطوط القتال الأمامية. في مقابل ذلك، كان الوضع خلال "فترة الانتظار" معاكسًا، إذ كما كتب عميت: "جلسنا ننتظر، وكانت القبضة جاهزة إلى حد أنها عندما انطلقت وجهت لكماتٍ قوية جدًا، لأننا كنا مستعدين من ناحية تنظيم القوات أيضًا".