Skip to main content
حرب الأولمبياد والفقراء تخرج للواجهة قبل انطلاق المنافسات
رياض الترك
تنطلق الألعاب الأولمبية في ريو، اليوم. الأجواء الرياضية تبدو جيدة ومناسبة، لكن الجسد الجميل يُخفي أحياناً الكثير من العيوب، التي لا يمكن رؤيتها على العلن. هيّا بنا نقوم في جولة داخل أزقة ريو دي جانيرو.

قبل بداية البطولة الرياضية الضخمة، التي ستحتضن حوالى عشرة آلاف رياضي للمنافسة في 42 رياضة مختلفة، ولو ابتعدنا قليلاً عن القرية الأولمبية، تبدأ المشاكل التي لا تنتهي، والتي تراكمت منذ العام 2009 حتى اليوم، وحولت الأولمبياد الأول في القارة الأميركية الجنوبية إلى "خيبة أمل"، ولتخسر ريو الميدالية الذهبية لحقوق الإنسان.

تُعتبر استضافة بلد لحدث رياضي ضخم مثل الأولمبياد أو كأس العالم بمثابة فرصة كبيرة لتحسين الوضع الاقتصادي، ونقل البلد إلى مستوى متقدم، وعندما فازت البرازيل بشرف الاستضافة في العام 2009، رسمت خطة وقدمت الكثير من الوعود لساكن مدينة ريو، لكن على ما يبدو أن هذه الوعود ستبقى حبراً على الورق وكانت مثل مسلسل تلفزيوني.

أول الوعود تمثلت بخفض مستوى الجرائم وأن تنظيم حدث رياضي ضخم بمثابة الأولمبياد سيكون فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي والأمني، لكن هذا لم يحدث حتى اليوم، أي قبل يومين من انطلاق البطولة. لقد استخدمت الشرطة والحكومة البرازيلية ورقة الأولمبياد للضغط على الفقراء وطردهم من مناطق تواجدهم، وخصوصاً المعروفين بـ "الفافيلاس".

"الفافيلاس" هم مجموعات فقيرة مُهجرة تعيش في البرازيل لا تملك أرضاً تعيش فيها، ويصل عددهم إلى حوالى 11 مليون شخص، ويعيشون على سفح جبل مطل على مدينة ريو في منازل من "تنك"، مبنية بطريقة عشوائية، حيثُ تشهد منطقة "الفافيلا" اكتظاظاً سكانيّاً كبيراً وفقراً دامغاً لا مثيل له.

الشرطة البرازيلية في ريو دي جانيرو استخدمت ورقة تنظيم الألعاب الأولمبية من أجل مهاجمة الفقراء وطردهم من مناطق سكنهم، التي تعترض طريق بناء المنشآت الأولمبية، وبدلاً من أن تكون البطولة لتحسين الظروف المعيشية، أخذت طريقاً خطيراً وهو مهاجمة الفقراء وخصوصاً العرق "الأسود"، الأمر الذي تحول إلى حرب عنصرية.

وتُشير التقارير إلى أن نسبة قتل الفقراء في منطقة "الفافيلا" ترتفع في كل عام منذ أن فازت ريو بالاستضافة، وكأنها عملية تطهير للبشر من أجل منعهم من تحويل وجهة الكاميرات خلال البطولة إلى الفقر المرعب، الذي يوجد في أحياء مدينة ريو.

وحتى أن الشرطة في ريو كانت توقف القادمين من منطقة "الفافيلا" على الحواجز، وتستفزهم وتطلق النار عليهم لتمنعهم من النزول مجدداً. والمشكلة أن الدولة لا تساعد هؤلاء الناس كما وعدتهم بعد الفوز بشرف تنظيم الأولمبياد.

الوعود الكاذبة وتطهير السكان 
يتضمن ملف ريو الذي ترشح لاستضافة الألعاب الأولمبية في العام 2009 بندين مهمين، هما الاهتمام باللعبة وتحقيق إرث للمستقبل، لكن المنظمين يفشلون في الطريقين حتى الآن، لأن هناك خرقاً كبيراً لحقوق الإنسان بسبب الاهتمام بالألعاب وبالتالي لن يكون هناك أي إرث جميل في حال استمرت الأمور على حالها.

وعد المنظمون سكان ريو أن المدينة ستتحول إلى واحدة من أهم المدن العالمية اقتصادياً واجتماعياً، والأهم أن الأمن سيكون ممسوكاً بنسبة كبيرة، لكن كل هذا لم يتحقق ولم يحصل سكان ريو على ربع ما وعد به المنظمون منذ العام 2009.

وتشهد ريو دي جانيرو منذ العام 2009 عملية طرد للسكان بطريقة عشوائية، وبحسب الإحصاءات الرسمية فإنه تم طرد حوالى 22 ألف شخص من المدينة، ويتحمل المنظمون مسؤولية حماية العائلات والأطفال من الهجوم العشوائي البشع الذي تقوده مجموعات الشرطة ضد السكان الفقراء بشكل خاص.

أما القرية الأولمبية فبُنيت في منطقة كانت تُعرف بـ "فيلا أوتودورمو"، والتي كان يسكنها مجتمع صغير فقير، وحصلت معارك مع السكان من أجل ترك المنطقة، لكن السكان رفضوا. ويصل عدد العائلات في هذه المنطقة إلى حوالى 600 عائلة.

وقررت الحكومة محاربة الـ 600 عائلة بأفظع الطرق، منها قطع الكهرباء عن المنطقة السكنية، وتلويث المياه، حتى تحولت هذه المنطقة إلى أرض منكوبة وما يُشبه ساحة حرب. وبعد معركة طويلة غادرت بعض العائلات إلى منازل جديدة وتركت الأرض بسبب سوء أحوال العيش هناك. 

وبقيت حوالى 20 عائلة داخل المنطقة رفضت المغادرة، لتقوم الحكومة بإرسال عدد ضخم من الشرطة لإخراجها بالقوة، ونقل الناس في الشاحنات مثل المساجين. وهناك ذكريات سيئة يرويها السكان الذين عاشوا تلك اللحظات العصيبة آنذاك.

اليوم وقبل انطلاق الحدث الرياضي الضخم، تبدو ريو على شفير الانهيار، خصوصاً في ظل ارتفاع الأصوات المطالبة بالتظاهر يوم الافتتاح، لأن كل الوعود التي كتبت على ورقة الترشح لاستضافة الأولمبياد هي مجرد حبر على ورق، ولم يتحقق منها أي شيء، الأمر الذي قد يُشعل صراعاً طبقياً في البلاد، ويهدد باشتباكات بين الشرطة والسكان المعارضين لقرارات الحكومة، والرافضين لعدم الاهتمام بالمشاكل المعيشية والاقتصادية التي تعاني منها ريو.