حرب أفغانستان تدخل عامها الـ18: ترامب محاصرٌ في النفق

76175B33-4511-4E32-B2BD-6F3F39C4605C
داليا قانصو
صحافية لبنانية، من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
11 أكتوبر 2018
B9B974E2-00BA-481E-8D25-95486F1F5CBF
+ الخط -


لم تبلغ الحرب الأميركية على أفغانستان يوبيلها الفضي بعد. وبحسب عبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية، فإن القوات الأجنبية لن تبقى في بلده 50 عاماً. رغم ذلك، تبقى هذه الحرب، الأطول في تاريخ الحروب التي خاضتها وتخوضها الولايات المتحدة خارج ديارها، منذ أن افتتحت بها حربها الجدلية على الإرهاب. وإذا كان هناك من يروي أن الأطفال في أفغانستان، يتعلمون منذ عقود، الأرقام بأعداد البنادق، والأحرف بأسمائها، فهناك من يقول، على الضفة الأخرى، إن الشباب الأميركي الذي لم يشهد على أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أصبح بدوره في عمر التوجه إلى الجبهات المفتوحة في قندهار وهلمند، وإلى القواعد العسكرية، في بغرام وشوراباك.

ومع دخولها عامها الـ18، يخشى الأميركيون، أن تدخل الحرب على أفغانستان، أدراج النسيان، مع انخفاض نسب الاستطلاعات حولها، والاكتراث الشعبي بها، وانخفاض عدد قتلاهم في عهد دونالد ترامب. قبل ذلك، وصلت هذه الحرب إلى ذروتها، في السنوات الأولى من عهدي باراك أوباما، مع أكبر عددٍ من الجنود الأميركيين العاملين هناك (140 ألفا في 2010)، وأكبر عددٍ من القتلى في صفوفهم. اليوم، تبلغ حصيلة الجنود الأميركيين القتلى في أفغانستان 2315، والجرحى 17,674، وبميزانية مكلفة، تخطت الـ900 مليار دولار منذ العام 2001، وتقف عند 46,3 مليار دولار، لميزانية العام 2019.

ولا يأتي كلام عبد الله عبد الله، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي، حول مدة البقاء الأميركي في بلاده، من فراغ. منصب الرجل، البشتوني الأب، والطاجيكي الأم، هو أحد إفرازات عام 2014، حين تفاخر الأميركيون بأول إنجازٍ دبلوماسي لهم في أفغانستان، وأدّت جهود جون كيري، إلى تقاسم السلطة بين عبد الله والرئيس الأفغاني أشرف غني، على قاعدة "المصالحة" التي دخلت في صلب سياسة أوباما آنذاك لهذا البلد متعدد الإثنيات، مع "نجاح" أول استحقاق للانتقال الديمقراطي فيه. وعبد الله وغني، اللذان يشددان في عهدهما على مصطلح "الانتماء الوطني"، من الدائرة المؤيدة للبقاء الأميركي، ولا يفوتان فرصة لتعداد النجاحات التي تحققها القوات الأفغانية في محاربة حركة "طالبان".

من جهته، يسعى ترامب، منذ أكثر من عام، إلى "مصالحة" أوسع في أفغانستان، و"انتصارٍ" يُخرج به قواته من "الهراء" الذي يحدث هناك، بحسب وصفه. وفي إطار "استراتيجية جنوب آسيا"، التي أطلقها في أغسطس/آب 2017، من قاعدة فورت ماير في فيرجينيا، غير البعيدة عن "مقبرة أرلينغتون الوطنية"، حيث تقبع جثامين جنود كل الحروب الأميركية، بما فيها "القسم 60" لقتلى العراق وأفغانستان، تحدث ترامب عن هذه الحرب بلغة غير "جمهورية"، عندما قال إن حدسه الأول كان "أن ننسحب".



ومع وصول ترامب إلى السلطة، أعطت حركة "طالبان"، للرئيس الأميركي الجديد هامشاً من الوقت، لتنفيذ أحد وعوده الانتخابية التي حاد عنها. في المقابل، عادت وتيرة العنف لتبلغ أوجها العام الحالي، مع تسجيل بعثة الأمم المتحدة لأعلى نسبة ضحايا في صفوف المدنيين من الأفغان في النصف الأول من 2018، وذلك منذ عام 2009. النسبة الأكبر من هؤلاء سقطت خلال المعارك على الأرض بين القوات الأفغانية و"المتمردين"، لكن نسبة أولئك الذين قتلوا بالغارات الجوية الأميركية، ارتفعت بنسبة 52 في المائة كذلك. وتكشف أرقام مسؤولين أفغان، أن "عدد قتلى الجيش والشرطة الأفغانية هو بمعدل 30 إلى 40 قتيلاً في اليوم، خلال هذا العام".

تقوم سياسة ترامب الأفغانية، اللاهثة وراء انتصار يحفظ ماء الوجه، ويسبق انسحاباً رفض ربطه بجدولٍ زمني، على نظرية "العصا والجزرة"، وهي في الواقع نظرية وزارة الدفاع (بنتاغون) وجنرالاته، الذين قاوموا بعزم غريزته للخروج، وأزاحوا مراراً عنه فكرة خصخصة الحرب. وتحدث وزير الدفاع جيمس ماتيس، عن تقدم جرّاء تنفيذ نظرية "التعايش بين استمرار العنف والتقدم في الحل"، بينما وصف الجنرال جون نيكلسون، القائد السابق لعمليات "الدعم الثابت" (الأطلسي)، السياسة الأميركية الحالية في أفغانستان بتزاوج "الحديث والقتال"، والوضع بـ"وجود نافذة أمل للمرة الأولى".

وتقوم عقيدة أفغانستان العسكرية الجديدة، على مرتكزات عدة، أولها إزاحة القيود عن استخدام القوة الجوية (تخفيف قيود قواعد الاشتباك)، والتركيز على الدفاع عن المراكز السكانية المأهولة، مع ترك الأرياف لـ"طالبان"، ونشر المستشارين بين القوات الأفغانية المنخفضة الرتب، وزيادة التدريب على ضربات الجو، بالإضافة إلى شنّ حملة "منع" ضد الحركة، بتوجيه ضربات لمصادر تمويلها، ومنها زراعة الأفيون. والهدف، دفع "طالبان" إلى طاولة التفاوض.



ويتحلى الجنرالات الأميركيون بالصبر، في مواجهة مزاجية ترامب، الداعي إلى تقليص نفقات الحروب الأميركية غير المجدية، مع حاجة القائد الأميركي الجديد في أفغانستان، الجنرال سكوت ميلر، إلى الوقت لإعداد تقريره. في هذه الأثناء، خرجت أنباءٌ عن مطالبة الرئيس الأميركي بمراجعة استراتيجيته، بعد عام على دخولها حيز التنفيذ، ومراجعة سياسة التعامل مع باكستان، في الوقت الذي أطلق فيه مبعوثه زلماي خليل زاد جولةً مكوكية، بهدف فتح هوةٍ في جدار الحوار المغلق مع "طالبان". ورجحت أنباء أن يعلن ترامب عن جدول زمني للانسحاب يبدأ منذ عام 2020، وذلك مباشرة بعد الانتخابات النصفية الأميركية الشهر المقبل.

تلعب عوامل عدة في غير مصلحة السياسة الأميركية الحالية في أفغانستان، أولها عدم استعجال "طالبان" للحوار. فبخلاف الإحصاءات الرسمية، فإن مناطق سيطرتها إلى اتساع، فضلاً عن توقف الدعم الأميركي لجهود إعادة الإعمار، ما يعزز شعبيتها، في مقابل انخفاض حاد في شعبية المسؤولين الأفغان الحاليين، وعلى رأسهم أشرف غني، وتفشي الفساد بشكل أوسع في عهده.

وتكثر تعقيدات المعضلة الأفغانية، خارج إطار الخريطة العسكرية أيضاً. إذ يضاف إليها، الدور الذي تؤديه العوامل الخارجية في "اللعبة الكبيرة" المستجدة في هذا البلد، مع دخول روسي وإيراني قوة في هذه الساحة، تمويلاً ونشاطاً سياسياً، وتمسك باكستان بتموضعها، مع ازدياد الاهتمام الصيني. تضارب المصالح، في الأزمة التي تحمل أبعاداً جيوبوليتيكية هامة، تضع الولايات المتحدة في موقف لا تحسد عليه، وفي نفقٍ لا يبدو الخروج منه سهلاً بالقدر الذي تشتهيه، وهو القدر الذي يتجسد أقصاه باتفاق مصالحة مع "طالبان" وتقاسم للسلطة، مع الإبقاء على قواعد عسكرية في البلاد.

يتفق المتابعون للحرب على أفغانستان، بعد 17 عاماً على بدئها، بأن مشكلتها ليست في التكتيك، وإنما في الاستراتيجية، وهي عموماً استراتيجية مرتبطة بشكلٍ أشمل، بنظرية الحرب الفاشلة على الإرهاب التي أطلقها جورج دبليو بوش عام 2001، ومعها رهاب الإسلام. حرب أفغانستان، خصوصاً، لطالما وصفت الاستراتيجية الأميركية التي دارت في فلكها، بعبارات مثل "غير الحاسمة"، و"غير المتماسكة"، وفي أحسن النوايا، بتلك التي حملت "أحلاماً مبالغاً فيها" في الرخاء والديمقراطية، لتضيع هباء كل الأموال التي صرفت على إعادة تأهيل الجيش الأفغاني وتدريبه، وعلى جهودٍ "فضفاضة" في إعادة الإعمار.

في ديسمبر/كانون الأول 2001، كتب معهد "بروكنغز" مقالاً، حمل عنوان "الحرب الأميركية على الإرهاب: شريرة، وحشية، وطويلة". الشهر الماضي، رسمت مجلة "نيوزويك" الأميركية، سيناريوهات رعب لهروب القوات الأميركية من كابول، إذا ما دخلت "طالبان" إليها، قالت إنه "معها، سيبدو هروبنا من فيتنام، أسهل". لكن روبرت فيسك، في "الاندبندنت"، حمل وجهة نظر أخرى: "عندما يقرر الغرب أخيراً أن يحزم أمتعته ويرحل، أفغانستان لن تصبح طالبنستان، ولا إسلامستان (ولا داعشستان)، ستصبح بكل بساطة مافياستان". هي الحرب على الإرهاب، لكن ترامب مصر على "أننا سنربح"...ومعه عبد الله عبد الله.



ذات صلة

الصورة
مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، 30 إبريل 2024 (الأناضول)

سياسة

هدد مشرعون أميركيون المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبة أفرادها وصلت إلى حد التلويح باستخدام "قانون غزو لاهاي" ضد الدول التي قد تنفذ أوامر المحكمة.
الصورة
يهود إصلاحيّون يطالبون من أمام الكونغرس بوقف دعم إسرائيل عسكرياً (العربي الجديد)

سياسة

اجتمع الثلاثاء أكثر من 50 يهودياً إصلاحياً مع أعضاء الكونغرس في الكابيتول هيل، للضغط من أجل فرض حظر على تصدير الأسلحة للجيش الإسرائيلي، ووقف تمويل إسرائيل
الصورة
دبابة إسرائيلية تسير على طول الحدود مع قطاع غزة 7 أغسطس 2024 (أمير ليفي/Getty)

سياسة

قال مسؤلون أميركيون رفيعو المستوى في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع إنهم لا يتوقعون أن تصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن.
الصورة
خالد شيخ محمد عقب القبض عليه في مارس 2003 (Getty)

سياسة

في صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان خالد شيخ محمد يجلس في مقهى في كراتشي بدولة باكستان، عندما شاهد الطائرة الأولى تصطدم ببرج التجارة العالمي