حراك قبلي شرقي سورية: نحو انتفاضة بوجه "قسد"؟

حراك قبلي شرقي سورية: نحو انتفاضة بوجه "قسد"؟

12 اغسطس 2020
تُتهم "قسد" بالإهمال الأمني والفشل في إدارة المنطقة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

في خطوة تصعيدية من قبل القبائل العربية في شرقي سورية، حمّلت قبيلة العقيدات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مسؤولية ما يجري في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسلطة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من فوضى أمنية وتجاوزات بحق المدنيين وتردي الواقع المعيشي، مطالبةً بلجنة تحقيق مختصة لمعرفة ملابسات اغتيال أحد أبرز وجهائها أخيراً. في حين يحاول النظام السوري والجانب الإيراني استغلال هذه الحادثة من أجل ضرب الاستقرار في منطقة شرقي نهر الفرات من خلال تأليب القبائل العربية على "قسد"، وشق صفوف هذه القبائل من داخلها عبر إنشاء هيئات ومجالس يرأسها وجهاء "من الدرجة الثانية" مرتبطين بأجهزة الأمن التابعة للنظام.

واجتمع عدد من شيوخ ووجهاء قبائل وعشائر عربية في ريف دير الزور في بلدة ذيبان الخاضعة لـ"قسد" أمس الثلاثاء، تحت عنوان "ملتقى أبناء قبائل زبيد في دير الزور"، لـ"تدارس الأوضاع في ظلّ الظروف الاستثنائية التي تمر فيها المنطقة"، عقب دعوة من شيوخ قبيلة العقيدات، كبرى قبائل محافظة دير الزور. وتواصل قبيلة العقيدات حراكها الشعبي بعد محاولة اغتيال شيخها إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل، منذ أيام عدة، وهي المحاولة التي أدت إلى مقتل أحد وجهائها البارزين وهو الشيخ مطشر حمود الجدعان الهفل. وتتهم القبيلة "قسد" التي يتولى الأكراد السوريون قيادتها على الرغم من كون أكثرية مقاتليها من العرب، بـ"الإهمال الأمني والفشل في إدارة المنطقة" ما تسبب باغتيال عدد من الشيوخ والوجهاء، فضلاً عن تدهور الأوضاع المعيشية في المنطقة التي تحتوي على أهم حقول البترول في سورية.


أمهلت القبائل التحالف الدولي شهراً لـ"إعادة الحقوق لأهلها، وتسليم المجرمين للعدالة"

وعقب الاجتماع، حمّل المجتمعون في بيان التحالف الدولي الداعم لـ"قسد" مسؤولية ما يجري في المنطقة، مطالبين بلجنة تحقيق "من مختصين" لمعرفة ملابسات اغتيال الهفل. كما طالبوا بدور كامل للعرب في إدارة المنطقة الخالية من أي وجود كردي لـ"تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والسلام، والإفراج عن المعتقلين، وإيجاد حلول جذرية وإنسانية لمشكلة المخيّمات، وإعادة النساء والأطفال إلى أهلهم". وأمهل المجتمعون التحالف الدولي شهراً لـ"إعادة الحقوق لأهلها، وتسليم المجرمين للعدالة، والمساهمة الفعّالة في استقرار البنية المجتمعية للمنطقة"، وفق البيان.

في السياق، أشارت مصادر محلية إلى أنّ الأوضاع في ريف دير الزور الشرقي لن تشهد استقراراً "إذا لم تغيّر قسد قادتها العسكريين في المنطقة، وإذا لم تكف عن اعتقال مدنيين تحت ذريعة الانتماء إلى تنظيم داعش"، مؤكدةً كذلك أنه "يجب تخصيص جزء من الثروة النفطية لتنمية المنطقة اقتصادياً".

وحاول النظام استغلال ما يجري في ريف دير الزور، من خلال إجبار عدد من أبناء قبيلة العقيدات المقيمين في مدينة دير الزور الخاضعة له، للاجتماع الأحد الماضي لإعلان تأسيس ما أسموه بـ"هيئة سياسية خاصة بقبيلة العقيدات"، وجسم عسكري تابع للقبيلة بقيادة أحد الشيوخ المقيمين في العاصمة دمشق. غير أنّ مصادر محلية أوضحت لـ"العربي الجديد"، أنّ أبناء قبيلة العقيدات المقيمين في مناطق النظام لا يشكلون سوى 5 في المائة من مجموع المنتسبين لهذه القبيلة التي تعد من كبريات القبائل العربية في سورية، مشيرةً إلى أنّ اجتماع الأحد انعقد "تحت الترهيب" من قبل أجهزة النظام الأمنية. وأوضحت أنّ "المشيخة الرئيسية لهذه القبيلة موجودة في المنطقة الخاضعة لقسد، ومن ثمّ لا قيمة سياسية لأي نشاط يقوم به النظام اعتماداً على وجهاء من الدرجتين الثانية والثالثة، علماً بأنّ هؤلاء مدفوعون دفعاً تحت الترهيب المباشر".

وعلى الصعيد ذاته، كانت لافتة دعوة أطلقها شيخ عشيرة البكارة، نواف البشير، الموالي للنظام والإيرانيين، إلى تشكيل قوات وهيئة سياسية للقبائل السورية، ودعمها بالسلاح من قبل النظام لمواجهة "قسد" في منطقة شرقي نهر الفرات، ولا سيما في الشق التابع لهذه القوات في ريف دير الزور الشرقي. وفي حديث مع وسائل إعلام تابعة للنظام، دعا البشير إلى ما أسماها بـ"حرب تحرير" منطقة شرقي الفرات من خلال التنسيق ما بين القبائل العربية السورية وقوات النظام. والبشير من أبرز شيوخ القبائل الذين انحازوا للثورة في عام 2011، وتعرض للاعتقال لأشهر عدة في سجون النظام ليغادر بعدها البلاد إلى تركيا، ولكنه عاد بعد سنوات في ظروف لا تزال غامضة لينشئ مليشيا من أبناء قبيلته في شرقي سورية ومدينة حلب حملت اسم "الباقر" تتلقى تمويلاً وتدريباً من الإيرانيين الذين يسيطرون على الشق الجنوبي من ريف دير الزور الشرقي.


الأوضاع في ريف دير الزور الشرقي لن تشهد استقراراً إذا لم تغيّر قسد قادتها العسكريين في المنطقة


ويحتدم التنافس على القبائل العربية في شرقي سورية، حيث يحاول كل طرف اكتساب ولاء شيوخها ووجهائها في المناطق التي يسيطر عليها لإدراك أهمية هذه القبائل التي تمتاز ببنية متماسكة حتى اللحظة، فضلاً عن امتلاكها قوة عددية يمكن أن تقلب معادلات السيطرة. وتفجّر هذا التنافس على خلفية استهداف عدد من شيوخ العشائر والوجهاء في منطقة شرقي الفرات، إذ يحاول النظام تأليب أبناء هذه القبائل لصالحه من خلال اتهام "قسد" بمحاولة القضاء على مرجعيات قبلية يمكن أن يكون لها دور في رسم مستقبل المنطقة.

في المقابل، تتهم "قسد" النظام السوري وتنظيم "داعش" بالوقوف وراء ما يجري في ريف دير الزور الشرقي، غير أنّ هذه القوات تسهم في دفع المنطقة وبقية المناطق العربية الخاضعة لها إلى الانفجار من خلال إجراءات لا تأخذ بالاعتبار الطبيعة العربية للمنطقة، كفرض مناهج تعليمية "غير عربية ودخيلة تنافي معتقدات وعادات وتقاليد منطقة شرق الفرات"، وفق مصادر محلية. كما لم تقم "الإدارة الذاتية" الكردية المرتبطة بـ"قسد" بمشروعات من شأنها النهوض بالواقع المعيشي والاقتصادي، على الرغم من كون منطقة شرقي نهر الفرات أغنى المناطق السورية، حيث تضم ثروتين نفطية وزراعية، وهو ما يدفع الاستياء الشعبي إلى حافة الانفجار. ويرفض مجمل سكان منطقة شرقي نهر الفرات أي عودة للنظام السوري إلى المنطقة، وهو ما عبّر عنه متظاهرون في مدينة الطبقة (50 كيلومتراً غربي الرقة) أخيراً، بعدما خرجوا للتضامن مع محافظة دير الزور رافعين شعارات تنادي بإسقاط النظام.