حراك بغداد
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن "حراكاً واسعاً استؤنف في بغداد بعد فتور واضح بالأسابيع الثلاثة الماضية، تم من خلاله عقد لقاءات عدة بين قيادات سياسية عراقية شيعية لبحث ملف التحالفات السياسية التي بات مفتاحها جميعاً هي منصب رئيس الوزراء والشخصية التي سيسند إليها المنصب. وتأتي هذه التحركات قبل انتهاء مفوضية الانتخابات من عمليات العد والفرز اليدوي للمحطات المطعون بنزاهتها. وفيما تمّ إنجاز 15 محافظة من أصل 18، من المتوقع الانتهاء من الباقي في غضون أسبوع واحد، بينما غادر وفد قضائي للتدقيق في محطات الاقتراع بالدول التي أجريت بها الانتخابات لعراقيي المهجر.
وتسارعت الاجتماعات منذ مساء الاثنين الماضي مع عودة السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي إلى بغداد آتياً من طهران إلى جانب الشخصية الجديدة التي برزت أخيراً كمتصدرة للصورة الإيرانية بالعراق، وهي كريم رضائي، وهو أحد ضباط الحرس الثوري وله نفوذ واضح على الفصائل المسلحة وحزب الدعوة وكتل سياسية أخرى بالعراق. ويُعتقد أن رضائي هو أحد وكلاء قائد فيلق "القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الرئيسيين في العراق. وبعد عودة مسجدي ورضائي، وصل ماكورك إلى بغداد، وبدأ سلسلة لقاءات مع رئيس الوزراء حيدر العبادي وقيادات سياسية شيعية بالبلاد، بموازاة تحركات للمبعوث الأممي في العراق يان كوبيتش.
وأبلغ قيادي بارز في تحالف الفتح "العربي الجديد"، بأن "التفاهمات الحالية تتركز على إعداد ورقة تفاهم مشتركة بين الفتح والنصر ودولة القانون وبين الحزبين الكرديين الرئيسيين، إضافة إلى كتلة سنية للوصول إلى الكتلة الأكبر"، مبيناً أن "حراكاً آخر بين سائرون والحكمة والوطنية وكتلاً سنية ثانية، يجري في نفس السياق. وهناك مشاركة أميركية وايرانية على كلا المحورين بشكل متفاوت".
وكشف القيادي نفسه أنه "جرى طرح أسماء كثيرة كمرشحي تسوية لرئاسة الوزراء ومن أبرزها وأكثرها قوة هو محمد شياع السوداني، الذي لا تتحفّظ عليه حتى الآن أغلب الكتل السياسية، إضافة إلى مستشار الأمن الوطني، رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، لكن هناك تحفظاً أميركياً عليه، باعتباره مقرباً من المرشد الإيراني علي خامنئي". ووصف القيادي حظوظ العبادي بولاية ثانية بـ"الضعيفة للغاية"، مع استبعاد تام لكل من نوري المالكي وهادي العامري لمنصب رئاسة الوزراء.
وبحسب القيادي نفسه فإن "للتصعيد الأميركي الحالي ضد إيران حالياً علاقة بالحراك داخل بغداد، والولايات المتحدة لا ترغب بحكومة على مقاس المصالح الإيرانية بالعراق، ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون دخل على الخط وبقوة". ولفت إلى أن "الحديث عن تعليق الصدريين المفاوضات لحين تلبية المطالب غير صحيح بالمطلق، لكنهم يرفضون أي تواصل مع الأميركيين كما باقي الكتل الأخرى، ويستغلون ورقة التظاهرات للضغط على الاخرين من خلال تهديدهم بالنزول بالشارع مع المتظاهرين وتوسيع رقعة الاحتجاجات كما حدث عام 2016".
مشاورات عمّان برعاية سعودية
وفي عمّان، عُقد اجتماع مغلق في فندق "فورسيزن" ضمّ قيادات عربية سنية أبرزها جمال الكربولي ومحمد الكربولي وصالح المطلك وأحمد الجبوري وخالد المفرجي ومثنى السامرائي. وحضر اللقاء وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، الذي جرى خلاله توقيع جزء من القوى المشاركة على وثيقة تفاهمات لم تحظَ بتأييد كل القيادات التي شاركت في الاجتماع بحسب مصادر رفيعة في "تحالف القرار". وذكرت المصادر أن "صالح المطلك وآخرين رفضوا التوقيع على أي تفاهمات، بسبب ما اعتبروه فساد بعض الموجودين في إشارة إلى زعيم حزب الحل جمال الكربولي وقيادات أخرى متحالفة معه ضمن ما يعرف اليوم بالعراق بـ(تحالف الكرابلة)".
عضو في لجنة التفاوض عن قائمة الحكمة بقيادة عمار الحكيم قال لـ"العربي الجديد"، إن "سيناريوهات عدة بدأت تتسرب من أروقة المنطقة الخضراء حول أسماء رؤساء الوزراء والتحالفات، لكن ما يمكن الجزم به هو أن الأيام العشرة المقبلة ستشهد ولادة هذه الكتلة".
وأضاف أن "السيناريو الأقرب هو حكومة محاصصة طائفية، كما الحكومات السابقة، للسنّة نصيب وللشيعة نصيب وللأكراد نصيبهم. وهو عيب لا يمكن تحميل القادة العراقيين لوحدهم ذلك بل أن واشنطن وطهران يرعيان مثل هذه التفاهمات". ووصف الكتلة الكبرى والتحالفات بأنها "رهينة بالتوافق على اسم رئيس الوزراء الجديد"، كاشفاً عن أن "الحزبين الكرديين قدّما طلبات كثيرة، وبعضها يتعلق بكركوك وعودة البشمركة إليها والمناطق المتنازع عليها وملف النفط والغاز لقاء تحالفهم، ومعسكر المالكي والعامري مستعدان للتنازل عن أمور كثيرة لقاء حصولهما على الكتلة الكبرى وهزيمة مقتدى الصدر".
من جهته، قال عضو التحالف الوطني، أحد المقرّبين من هادي العامري، عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إنّه "حتى الآن لم يتم أي اتفاق رسمي أو نهائي بين أي كتلتين بالعراق حول تشكيل الكتلة الكبرى، فما زالت الحوارات مستمرة بهذا الصدد". وأوضح أنّ "من أسباب التأخير الحاصل هو تأخر نتائج العد والفرز، والمصادقة على النتائج بالفترة الماضية، فلا توجد مفاوضات جادة لحسم الموضوع فجميع الكتل لا تعرف كيف سيكون موقعها بعد إعلان النتائج"، مؤكداً أنّه "في حال إعلان النتائج ستكون التحالفات واضحة". ويتحدّث نواب عن وجود مباحثات بين الكتل، تحاول الوصول إلى اتفاقات قبل حسم نتائج العد والفرز.
وأكد النائب عن تيار الحكمة، علي البديري، أنّ "هناك مباحثات سياسية تجري بين الأحزاب بشأن الاتفاق لتشكيل الحكومة المقبلة وتسمية رئيس الوزراء، قبل إعلان نتائج العد والفرز اليدوي". وقال إنّ "تأخير إعلان النتائج متعمّد لحين الانتهاء على الاتفاق على تشكيل الحكومة، لمنع حصول أزمة سياسية جديدة في حال تغيير النتائج"، مشيراً إلى أنّ "مفوضية الانتخابات استعانت بعدد هائل من الموظفين، وبإمكانها حسم النتائج خلال ساعات معدودة إلّا أنها تتعمد التأخير".
بدوره، أكد القيادي في دولة القانون، جاسم محمد جعفر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحراك الموجود في جنوب العراق عامل ضغط على الجميع حالياً"، مضيفاً، أنّ "قضية العد والفرز اليدوي، أيضاً أثّرت على المفاوضات وتسببت بتوقفها، والجميع بانتظار النتائج". ولم يستبعد "تأخر حسم الكتلة الكبرى إلى الأيام العشر الأولى من الشهر المقبل". وأشار إلى أنّ "المعطيات تؤشر إلى عدم إمكانية تشكيل الحكومة من كتلة أو كتلتين أو حتى ثلاث، بل لا بد من مشاركة الكل لتكون حكومة توافقية، على الرغم من أنّ هذا النوع من الحكومات أثبتت فشلها".
ورأى مراقبون، أنّ "التدخلات الخارجية أصبحت اللاعب الأساس بتشكيل الحكومة العراقية، وتضغط باتجاه تأخيرها". وقال المحلل واثق الهاشمي، إنّ "المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل حكومة شراكة وطنية، من دون وجود أي معارضة، كما حصل بالحكومات السابقة"، مؤكداً في تصريحات صحافية "وجود ضاغط الخارجي يضغط باتجاه تأجيل تشكيل الحكومة لحين تصفية بعض الحسابات".
وشدّد، على أنّ "اللاعب الخارجي اليوم هو سيّد الموقف في معادلة تشكيل الحكومة العراقية واختيار الرئاسات الثلاث"، لافتاً إلى أنّ "أدوات اللاعب الخارجي تعمل بكل قوة لتحقيق غايات الأطراف الخارجية التابعة لها، فالطرف الذي مع إيران يدافع عنها، والطرف الذي مع السعودية أو تركيا يفعل ذات الشيء، بما تسبب بضياع المصلحة الوطنية".
يشار إلى أنّ مفوضية الانتخابات لم تحدد موعداً معيناً لإعلان نتائج العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات البرلمانية، بينما يتهمها مسؤولون بالمماطلة بإنهاء هذا الملف في محاولة لكسب الوقت وانتظار تسوية سياسية.