حرائق متواصلة في سورية الأسد

حرائق متواصلة في سورية الأسد

13 سبتمبر 2020
+ الخط -

تلتهم الحرائق سورية، للعام الثاني على التوالي، وهي حرائق من النوع الواسع المنفلت، مع توفّر ظروف مناسبة لانتشارها السريع.. مع بلوغ بشار الأسد عشرين عاما في السلطة، يضاف إلى كل تاريخه في مراكمة الآفات، جوائح جديدة تنخر في الجسد المتبقي تحت سيطرته، وتنذر بالتفاقم والاتساع، حيث تصبح خارج السيطرة بشكل كامل.
ما زالت الكوارث مرافقة لوجود حكومة الأسد في الأماكن التي يسيطر عليها، أي ما تُعرف بسورية المفيدة، وهي الجزء المحصور بين البحر المتوسط في الغرب ونهر الفرات في الشرق، مع خروج مساحة واسعة من الحدود مع العراق، حيث تقيم مجموعة عسكرية أميركية على حراسة الحدود في الاتجاهين، ومساحة أخرى في أقصى الشمال بمحاذاة تركيا، حيث توجد مجموعات مسلحة سورية مع سيطرة تركية واضحة.. وتزيد المشهد بؤساً الحرائق التي تركزت في الجانب الشرقي من الجبال المحاذية للساحل السوري، حيث تكتسي تلك المنطقة بثروة حرجية ضخمة، تتغذّى على الأمطار التي تسمح بها فجوات الجبال الساحلية، فتهطل مؤمّنة البقاء لهذه الثروة، وتوفر الانحداراتُ الحادّة حمايةً طبيعية لها من جور الفؤوس أو القطع الجائر، وقد يستغل بعض صغار المزارعين السفوح المنخفضة في زراعة محاصيل موسمية، مستفيدين من المياه التي تحتفظ بها التربة في المناطق المنخفضة، بمساعدة بعض الأمطار التي تأتي غزيرة أحيانا.
أدّى الإهمال والنقص الحاد في الأيدي العاملة التي تحولت في معظمها إلى جنود مليشيا وحماة سلطة، إلى تعرّض المنطقة لحرائق واسعة، بمساعدة الحرارة العالية والتيارات الهوائية الساخنة القادمة من الصحراء، وربما بمساعدة مستفيدين من تعرية المنطقة من أشجارها، لتحويلها إلى أبنية أو مشاريع تحت عناوين "إعادة الإعمار". وفي ظل عجز النظام عن وقف الحريق، بسبب تعرّض جهاز الدفاع المدني لديه لعملية تحولٍ في وظيفته، فغدا ذا مهمات قمعية، يمكن أن تستمر هذه الحرائق، حتى موعد الأمطار الموسمية الطبيعية التي تخمد الحريق، بعد أن يكون قد أتى على كل ما في المنطقة من نبات.
تترافق نكبة الحرائق مع عودة التلاميذ إلى المدارس. وهنا حيث توجد كوارث من نوع آخر تظهر ضمن سياق التراشق بين وزارتي الصحة والتربية (والتعليم) في حكومة النظام الجديدة، وعلى ألسنة الوزراء أنفسهم! في حين أن الاكتظاظ الذي نعرفه جيدا في مدارس سورية يهدّد بتضاعف عدد المصابين بكورونا، والبيئة التي سينتشر فيها الفيروس الآن هي قطاع التلاميذ من سن الثامنة عشرة وما دون. ويمكن تخيل ماذا سيحدث بعد أسبوعين فقط من ارتيادهم المدارس، ومع انهيار النظام الطبي وجهاز الصحة الذي يديره، لأسبابٍ كثيرة، أهمها هجرة الكوادر أو فقدانهم، فالإصابات في الواقع لا يمكن السيطرة عليها، وستشكل مع حرائق الغابات انهياراتٍ متزايدةً في المجتمع. وإذا أضيف إلى كل ذلك النقص في كل ما يحتاجه البشر في سورية، من محروقات وكهرباء ومواد غذائية، مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، يمكن القول إن ما يديره بشار الأسد وحكومته الجديدة الآن هو مجتمع الانهيار والموت.
وقف أصدقاء النظام إلى جانبه خلال حرب السنوات العشر، وضخّوا في شرايينه السلاح والمال والإعلام والسياسة، لإبقائه قادرا على القتل، ولكن حين وصلت الحرب إلى مرحلة الهدنة الإجبارية، ظهر النظام عاريا ووحيدا وبائسا، وهو غير قادر على وقف حرائقه أو إدارة أزماته الصحية والمعاشية. وفي الوقت الذي تتحرّك على مدارج مطاراته العسكرية أحدث الطائرات الروسية، يفشل في تحويل طائرة واحدة من أداة لإلقاء براميل الـ "تي إن تي" شديد الانفجار إلى طائرات نجدة وإطفاء.. نظام من هذا النوع، مع هذه المجموعة من الحلفاء، قد لا تسقطه الحرب ضد شعبه، ولكن يمكن للأزمات أن تجهز عليه.