ما زالت التداعيات السياسية لدعوة العاهل المغربي محمد السادس، الثلاثاء الماضي، إلى حوار سياسي مباشر بين الجزائر والرباط مستمرة.
ورغم عدم صدور رد رسمي من الحكومة الجزائرية على الدعوة المغربية، إلا أن قوى وشخصيات سياسية أعلنت عن مواقف متباينة وحذرة.
وفي السياق، قال القيادي في حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، نصر الدين حمدادوش، إن خطاب الملك المغربي يمثل "توجهاً إيجابياً وشجاعةً سياسيةً في تبنّي لغة الحوار الثنائي، وفي جميع الملفات العالقة"، وأكد: "نثمن هذا التوجّه الرسمي ومن أعلى المستوى في التمثيل الديبلوماسي، إذ لا يُعقل الاستمرار في الصبغة العدائية، وتضييع الفرص كشركاء، وتجاوز علاقات حسن الجوار، التي تصبّ في صالح الطرفين، بل وفي صالح جميع أركان المغرب العربي، لأنه قدرٌ تاريخيٌّ لا مفرّ منه بيننا. نعم للطموح والوضوح في العلاقة بين البلدين".
غير أن القيادي في الحزب الإسلامي، الذي يرتبط بعلاقات سياسية مع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة في المغرب، أبقى هامشاً من التخوف بشأن ما إذا كان الموقف المغربي الجديد المتضمن في خطاب الملك محمد السادس "مجرد مناورة سياسية"، وقال "نتمنى ألا يكون اضطرارياً أو مناسباتياً أو عاطفياً".
من جهته، أبدى محي الدين عميمور، المستشار السابق للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، تحفظاً على المناسبة السياسية التي أطلق فيها الملك محمد السادس الدعوة للحوار مع الجزائر.
وأوضح عميمور، وهو وزير سابق للثقافة، أن الخطاب يطالب بحوار موضوعي وبدون شروط مسبقة، في حين أن الخطاب يُلقى بمناسبة المسيرة الخضراء التي قال إن الجزائر "تنظر لها كغطاء للاحتلال المغربي للصحراء الغربية، في تجاهل لرأي محكمة العدل الدولية"، مضيفاً أن "الخطاب ينطلق من مفهوم المغرب لوحدته الترابية، وهي نقطة خلاف جوهرية مع القرارات الدولية التي لا تعترف بالصحراء الغربية كجزء من المغرب، ومع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي لا يعترف بأي سيادة للمغرب على الصحراء، ثم يتحدث الخطاب عن الواقعية التي هي في الحقيقة محاولة لفرض أمر واقع على الجزائر".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "خطاب الملك يطلب من الجزائر تقديم اقتراحات حول آلية الحوار، في حين كان على المنادي بالحوار أن يقترح آلية عملية تضمن موضوعيته"، مشيراً إلى أن "الخطاب يتناسى الطرف الرئيسي في الصراع، وهو الشعب الصحراوي، أي أنه يُطلب منا الغدر بأشقاء نحترم إرادتهم في تنفيذ القرارات الأممية، وندرك أنه لا سلام في المنطقة إذا تجاهلنا مطالبهم المشروعة، وهي مجرد قبول المغرب للاستفتاء".
من جهته، أكد سفير الجزائر السابق في مدريد ووزير الاتصال السابق، عبد العزيز رحابي، في تصريحات صحافية اليوم، أن خطاب الملك جاء كـ"خطوة تستهدف تحييد الجزائر عن مفاوضات ديسمبر/ كانون الأول المقبل حول قضية الصحراء"، وتوقع أن يعود المغرب إلى مواقفه إزاء الجزائر في وقت لاحق.
وبخلاف المواقف المعلنة، تتحاشى القوى السياسية في الجزائر في الغالب إعلان مواقف تخص العلاقات مع المغرب، بسبب الحساسية الكبيرة لهذه العلاقات المتوترة منذ منتصف السبعينات، ومنذ غلق الحدود البرية بين البلدين في ديسمبر/ كانون الأول 1994.
وبحسب دبلوماسي جزائري تحدث أمس لـ"العربي الجديد"، فإن الجزائر لا تعارض من حيث المبدأ الحوار مع المغرب، لكنها تتمسك باشتراطات أربعة تتعلق بوقف تدفق المخدرات، ووقف الحملات الدعائية، وإقرار حل الخلافات بالحوار، وتحييد قضية الصحراء وإبقائها في سياق أممي.
ويعتقد المتابعون للتطورات الأخيرة في العلاقات المغربية الجزائرية أن محطة المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، والمقررة في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول المقبل في جنيف السويسرية، وتحضرها الجزائر وموريتانيا كبلدين ملاحظين، ستكون محطة امتحان جدي لنوايا المغرب، خاصة وأن المملكة تعتبر جارها الشرقي من ضمن "أعداء وحدتها الترابية".