حذارِ من مياه لبنان

حذارِ من مياه لبنان

23 يناير 2016
من يضمن سلامة المياه المعبأة؟ (حسين بيضون)
+ الخط -
في بلد المياه، ثمّة أزمة مياه! الهدر علني، في حين أن تلوّث الآبار الارتوازية جعل أكثر من 50% من مياه لبنان ملوّثة، بحسب ما تفيد تقارير للبنك الدولي. هكذا أصبحت مياه الشفة "خطرة"، مما أدّى إلى إقبال كثيف على المياه المعبأة لضمان سلامة الصحة العامة.

إلى أي حدّ يمكن الحديث عن رقابة صارمة على المياه المعبأة وجودتها؟ تجدر الإشارة إلى أن سلامة المياه المعبّأة لا يضمنها ما دُوّن على العبوة، ويشير إلى أنه مرخّص لها من قبل وزارة الصحة. بعض المنتفعين من هذه التجارة يعمدون إلى تزوير معايير المياه ونتائج فحصها، والنتيجة جراثيم كثيرة تنمو على أطراف أجهزة الترشيح والتنقية (فلاتر). إلى ذلك، فإن عملية التنظيف التي تخضع لها مطرات المياه التي تُعاد تعبئتها، غالباً ما تفتقر إلى أساليب التعقيم الحديثة.

وتتكاثر كالفطر شركات تعبئة المياه في الأحياء، وقد وصل الأمر إلى درجة أن أي صاحب بئر ارتوازية، يستطيع الادعاء بأنه يكرر مياه بئره، لبيعها لاحقاً إلى المواطنين. أما المعنيّون في وزارة الصحة العامة، فيعلمون بوجود نحو 23 شركة مياه مرخصة فقط، في مقابل أكثر من 600 شركة غير مرخّصة تبيع مياها زاعمة أنها صالحة للشرب.

وتتعدّد أسباب تزايد تفشي هذه الظاهرة، نظراً للمصاعب التي يواجهها المواطنون في الحصول على الكمية اللازمة من مياه الشفة. ويلجأون إلى المياه المعبّأة، على الرغم من أنها تعاني من فوضى وسوء تنظيم إلى حدّ الفلتان. يُذكر أن ثمّة مرسوماً اشتراعياً صدر في سبتمبر/أيلول 1983 ينظّم عملية استثمار المياه والمرطّبات، المعبّأة في أوعية. لكن المرسوم يراوح مكانه، خصوصاً مع تفشّي هذه الظاهرة، قبل سنوات.

مراقبة خجولة
تفيد آخر البيانات بأن 60% من الأمراض المعوية ناتجة عن تلوث المياه، خصوصاً في فصل الصيف. وفي هذا السياق تشير الاختصاصية في البيئة، الدكتورة مي جردي، إلى أن "الرقابة خجولة على عبوات البلاستيك التي تحوي المياه المعبأة، وعلى طرق نقلها تحت أشعة الشمس وتأثرها بالحرارة المرتفعة". تضيف، لـ "العربي الجديد"، أن "ثمة أنواعاً من البلاستيك لا تصلح للتعبئة وقد تؤثّر في جودة المياه. لذا، نحن في صدد متابعة القضية والتأكد من الآثار الجانبية لنقل المياه في ظروف مناخية حارة". وتتابع أن "لا أحد يعرف مصدر المياه ولا أنواع أجهزة الترشيح التي تُستخدم". وتشدّد جردي على "ضرورة تحرّك كل من وزارة الصحة العامة ووزارة الاقتصاد والتجارة لإجراء اللازم، وسط ازدياد الدكاكين التي يقدّر عددها بنحو 1200 تعمل من دون رقابة. أما شركات المياه المعبأة المرخّصة، فهي تعمل وفق مراقبة ذاتية".

الالتزام بالشروط أو التلوّث
يوضح الاختصاصي في الأمراض الجرثومية، الدكتور إلياس الهراوي، لـ "العربي الجديد"، أن "ثمّة طرقاً عدّة لتلوّث المياه المعبأة، منها الجرثومي عند تعبئتها في حال لم يتوفر جهاز ترشيح لتنقيتها، ومنها الكيميائي عندما لا تُحفظ بشكل جيّد في عبوات خاصة. بالتالي ثمّة احتمال لتكاثر النيترات والزنك فيها. هكذا تفقد المياه المعبأة جودتها". يضيف: "لذا نشدّد على ضرورة غسل المطرات وتعقيمها قبل تعبئتها".

على وزارة الصحة واجبات
ويشدّد الاختصاصي في الطب الداخلي، الدكتور إيلي فرح، على "ضرورة اضطلاع وزارة الصحة بواجبها على أكمل وجه، لمعالجة التلوّث في المياه المعبأة، في حال لم تستوفِ الشروط الصحية المطلوبة". ويوضح، لـ "العربي الجديد"، أن "ذلك يكون من خلال التأكد من الفحوصات المخبرية للمياه في المحلات التي تبيعها، عبر كشف مستمر وتحديد أيّ منها مرخصة صالحة للاستهلاك وأي منها غير صالحة. هكذا تتضح الصورة لدى المواطن ويصبح قادراً على التمييز بين الشركات المطابقة للمواصفات، كي يشتري منها و يضمن سلامته من الجراثيم ومن الإسهال الحاد وصولاً إلى التيفوئيد".

وهنا يشير مستشار وزير الصحة العامة، وائل أبو فاعور، الدكتور بهيج عربيد، لـ "العربي الجديد"، إلى أن "الوزارة جادة وحاسمة في ملف مراقبة المياه المعبأة، بعيداً عن التدخلات السياسية، لأن صحة الناس هي الأهم".

تغيير الفلاتر ضرورة
من جهته، يشرح الاختصاصي في الأمراض الجرثومية، الدكتور بيار أبي حنا، أن "المياه الملّوثة تحمل معها ترسبات من مواد ملونة تؤدي إلى الإصابة بالسرطان. أما إذا كان التلوث جرثومياً، فهو يؤدي بالطبع إلى التهاب الكبد (أ) والتيفوئيد". ويضيف، لـ "العربي الجديد"، أن "الضمانة الوحيدة لسلامة المياه المعبأة، هي معرفة أي منها مرخصة وتلبّي المواصفات المطلوبة، بالإضافة إلى أهمية تغيير أجهزة الترشيح دورياً، وتعقيم المياه بالكلور".

اقرأ أيضاً: مجاري لبنان توأم مياهه

المساهمون