حذاء روما والأسد

حذاء روما والأسد

20 سبتمبر 2016
+ الخط -
بعد خمس سنوات على بداية الثورة السورية، وعلى بدء القتال فيها، بين النظام والمعارضة المسلحة، زاد عدد المتدخلين في الملف، فكلما اقتربت المعارضة من حسم الصراع، ظهر طرف جديد يتدّخل لحماية الأسد وتمديد الاقتتال، إلى غاية تنفيذ المخطط كاملاً، بداية مع إيران ومليشياتها ثم روسيا والصين... والضحية أبناء الشعب السوري الذين قتلوا وهجّروا واعتقلوا.
ذكرني ما يقوم به بشار، من تفنّن بأشكال الإجرام، ومن قتل وتهجير وتجويع، بما قام به المتجبّرون عبر التاريخ، مثل السفاح الروماني، وأشهر طاغية في التاريخ، غايوس الذي حكم روما ما بين 37 و 41 ميلادية، وقد عرف بطغيانه وسادّيته وتلذّذه بتعذيب الناس، وأطلق عليه كاليغولا أيّ حذاء روما، سخرية منه في صغره، لكنه عرف به، وظل يحمله إلى أن قتل، ومن اسمه هذا جاء عنوان مقالتي.
بشار الأسد الذي هو أحد رموز الأنظمة "العربية" بات يهدّد عرش الطاغية، بعد حوالي 20 قرناً، على انتهاء أسطورة كاليغولا، جاء الرئيس السوري متسّماً بصفات سابقيه، ليعلن انطلاقاً من أفعاله سعيه ليذكّر في التاريخ، ولو من بابه الأسود.
استبد بشعبه سنوات، بعد أن ورث عرش أبيه، حافظ الأسد، فثار السوريون ضده في سنة 2011، ورفضوا الظلم، وبما أنّه كان يعتبر اسقاطه مستحيلاً، مثلما كان كاليغولا يعتبر نفسه إلهاً، فقد واجه الإرادة الشعبية بالحديد والنار، وقتل وهجّر الملايين، وما يزال مستمراً في ذلك بشكل علني لحدّ الآن. تتشابه الشخصيتان في كثير من الأفعال التي قد تجعل الأسد، يزحزح نظيره عن عرش طغاة الإنسانية.
اشتهر الطاغية الروماني بقوله: "لا أرتاح إلا بين الموت"، كما عرف عند أتباع الرئيس السوري شعار "الأسد أو نحرق البلد"، وكلا العبارتين، دلالتهما واضحة، لا أهمية لعدد القتلى، ما يهم هو راحة الطاغية.
بنى "حذاء روما" تمثالاً له في "الهيكل" بأورشيلم لاستفزاز اليهود، ونشر بشار صوره وصور أبيه في كل الأراضي السورية. نقل الديكتاتور الروماني آثار الفراعنة من مصر لاستفزاز المصريين، وأجاز السرقة العلنية له، وقتل من شاء، ومتى شاء، ومنع الإرث على الأغنياء، وأجبرهم على كتابة وصية بأن تذهب أموالهم إلى روما، وكانت تذهب إليه باعتباره "روما"، وبشار ووالده قاما بمثل هذه الأفعال، واستنزفا خيرات الوطن السوري، وجيوب المواطنين عقوداَ، وحين مات حافظ سار ابنه على خطاه.
بالنسبة للجرائم ووسائلها، هناك اختلاف، مع ميلان الكفة للأسد، فبعض وسائل التعذيب والطرق التي استعملت في عصر كاليغولا، لا تزال تستعمل في السجون السورية، إذ يتفوّق بشار في الأسلحة المستعملة لقتل المدنيين، فلا يمكن مقارنة الأسلحة التي كانت خلال القرن الأول الميلادي بالتي تستعمل اليوم.
هذا، ولن نغفل أنّ طرقاً أخرى استعملها "كاليغولا"، يكرّرها الأسد، مثل تجويع الشعب، فقد كان الإمبراطور الروماني يجتهد في ذلك، ليتلذّذ برؤيتهم جوعى، وقام السفاح السوري، بحصار مضايا وحلب وغيرها من المدن والبلدات السورية، ليستمتع بقتل الناس مرضا وجوعا.
يذكر أن كاليغولا أحبّ حصانه كثيرا، ويقال أنه قام بتعيينه عضوا في مجلس الشيوخ، وأقام بهذه المناسبة حفلاً أجبر خلاله الحضور على تناول التبن والشعير، وهذا أشبه ما يكون بحفل تنصيب "بشار الأسد" لولاية جديدة، بعد الانتخابات التي أجريت فوق جثث السوريين سنة 2014.
الفرق بينهما أنّ الطاغية الروماني لم يدع كبار العالم لاقتسام كعكة روما، ولا أهدى لهم جزءاً منها، كما أنّهم لم يشاركوه في قتل شعبه، لكن بشار فعل هذا كله، وقام بكل ما يمكنه من الاستمرار في السلطة، واستعان بعدّة دول لقتل الشعب السوري؛ روسيا ومعها الصين، إيران ومعها مليشيات من لبنان والعراق وأفغانستان، وراءهم أميركا وإسرائيل، دول تحلّق في السماء السورية، وأخرى تلعب في الأرض، وبشار يستمتع بالمشاهدة.
أختم سطوري هذه، بواقعة حدثت لكاليغولا، حيث أراد يوما أن يحصل على "القمر"، لأنه من الأشياء التي لا يملكها، لكنه لم يستطع الحصول عليه، وكان دائما ما يبكي حين يتذكّر ذلك، ويفكر بأنه وعلى الرغم من كل جبروته وسلطانه، لا يستطيع أن يحيي الميت أو يمنع الحي من الموت. هذا حدّ الطغيان، آخره عجز، سيبكي الأسد من دون جدوى يوماً ما، لأنّه على الرغم من كل ما فعل، ومن استعانته بالدول الكبرى التي مدّته بما يحتاج وساعدته على القتل والإجرام، لم يستطع الحفاظ على كرسيه، بل ولم يستطع الحفاظ على حياته، ولن تختلف نهايته، عن كل الطغاة الذين عرفهم التاريخ، ففرعون مات غرقاً، هتلر انتحر، القذافي قتل في المجاري... و"كاليغولا" تمّ اغتياله رفقة زوجته وابنه بطعنه ثلاثين مرة. هو أمر محسوم، فكما انتهى كلّ جبار عنيد فيوم الأسد قريب، لنقول فيه: انتهى الطاغية.

B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)