حديث "اقعدي يا هند"

حديث "اقعدي يا هند"

16 يناير 2015
+ الخط -
معظمنا سمع عن هذه الجملة البسيطة في كلماتها الكبيرة في معانيها، خصوصاً بعد انتشارها على صفحات ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، أو في تداول الحدث على مواقع "يوتيوب"، أو في الصفحات الأولى في وكالات الأنباء العربية والدولية.
لم تثر هذه الكلمة البسيطة الضجة بلا سبب، ولكن، لهذه الجملة الأثر الكبير في توقيت لفظها، حيث أن موقف من تفوه بهذه الكلمة مس حقوقاً كثيرة خاصة بالمرأة، ففي هذا العصر الذي يدعو إلى حرية التعبير عن الرأي، يأتي أحدهم، ويأمرها بالصمت والجلوس لسماع الرأي الآخر الذكوري، وفقط على المرأة أن تقول، حاضر ونعم وآمين، لكل ما يدور ويحدث، من دون إبداء رأي أو مناقشة أو معارضة على قضية مطروحة.
وإن فعلت غير ذلك ستوجه إليها دعوة كما وجهها النائب، يحيى السعود، للنائب، هند الفايز، داخل قبة البرلمان بقوله "الله ينتقم من الي جاب الكوته النسائية إلى مجلس النواب"، بالإضافة إلى قوله "روحوا تمكيجوا لجيزانكم ولقطوا ملوخية أحسنلكوا من هالسولافه".
هذا الحديث، إن دل على شيء، فإنما على اضطهاد المرأة العربية في جميع الأشكال، وإن تمدن الرجل الشرقي وتخلى عن الطربوش والعباءة، يبقى في داخله حقد يظهر خلال ضعفه الذهني في مناقشة المرأة بنفيها إلى المطبخ، والقيام بواجبات الزوج، وإن قصر في حقها كزوجة.
وفي حديثه هذا، نائب يطلب من نائبة لها وزنها وكلمتها في الجلوس بالبيت، وأمام الملأ وعلى الهواء، فما بالنا لو نظرنا ماذا يحدث في المنزل أو السوق أو العمل الذي تشغله الإناث!
كم من امرأة تبقى أسيرة لمخدعها، تخدم أطفاله ليل نهار، تسهر على راحتهم ووجعهم، وهو في مقهى يستمتع بلعب الكوتشينة؟ كم من أم عانت الأمرين، وقيل لها اجلسي في بيتك خوفاً من عار الطلاق، وعليها أن تتحمل جبروت ظلم زوجها واضطهاده، خوفاً من حرمانها من أبنائها الذين هم صلبه، ولا يتذكرهم إلا وقت الفراق؟ وكم من امرأة عاملة قيل لها اقعدي ولا تجادلي في الحديث، وإن أبدت رأيها خسرت عملها، كم من طفلة صغيرة، قيل لها اقعدي في غرفتك ومنعت من اللعب وخرج أخوها للتنزه والترفيه، وهي حبيسة الجدران، كم من فتاة مطلقة حرمت حقوقها في العمل والترفيه، وقيل لها اجلسي في المنزل، إنك امرأة مطلقة.
وكم من الذكور قيلت لهم هذه الكلمة "اقعد يا فلان"؟ كم من الأمور خسرت الأمة، وكم من المحبة والألفة خسرت البيوت في التفريق بين الذكر والأنثى، الأخ وأخته، كم وضعت العادات والتقاليد في عقل المرأة قيوداً، حتى أصبحت كأزرار الآلة، يضغط الرجل عليها، حسب الأهواء العشوائية ووضعه الذهني.
كم منا يردد كلمة المرأة نصف المجتمع، بل المتجمع بأكمله، وحينما تتفوه النساء يقال لهن، اجلسن فإنكن عورة!
إنها لمن سخافة العادات والتقاليد والأعراف أن يقتل إبداع المرأة وحديثها، بمجرد أن الرجل يكون هو الأب أو العم أو الأخ أو الزوج أو حتى رب العمل.
المرأة هي من أنبتت المجتمع من رحمها، وعلى المجتمع، أولاً وأخيراً، أن يستر عوراته الفكرية واللفظية، بدلاً من فضح مكنوناته في ساعة غضب على الهواء مباشرة، كما فعل يحيى السعود!
أنا فتاة وابنة وعاملة وكادحة، وربما غداً أصبح زوجة وأماً، لا نريد من المجتمع غير الإنصاف، بكل معنى الكلمة.
2FE20534-65B0-49D4-8606-A5FDBF4AB89A
2FE20534-65B0-49D4-8606-A5FDBF4AB89A
نيفين الصالح (فلسطين)
نيفين الصالح (فلسطين)