حدث في مثل هذا الأسبوع

حدث في مثل هذا الأسبوع

26 يوليو 2017

الحسن الثاني.. حكم المغرب 38 سنة (2/3/1999 فرانس برس)

+ الخط -
في مثل هذا الأسبوع، قبل 18 سنة، أعلن بيان للديوان الملكي أن الملك الذي حكم المغرب 38 سنة انتقل إلى جوار ربه. لم يصدّق معظم المغاربة الخبر، حتى شاهدوا العائلة الملكية والنخبة السياسية والعسكرية تبايع ابنه البكر ملكا على عرش المغرب في القصر الملكي في الرباط.
كان المغاربة يعرفون أن ملكهم مريض، مع ذلك كانت "صدمة الشعب" كبيرة، لأن ثلاثة أرباع المغاربة حينها لم يعرفوا ملكا سواه. أحسّ الناس البسطاء بمزيج من اليتم على رحيل الأب والخوف من المجهول، ولم يتصوّروا أنهم سيسمعون خبر موته في حياتهم. لهذا خرج مئات الآلاف إلى الشوارع لوداعه، ولو تركت السلطة لهم الباب مشرعا لخرجوا بالملايين في جنازة صاحب أطول فترة حكم في المغرب، بعد جده السلطان إسماعيل الذي حكم نصف قرن.
اليوم، مع فارق 18 سنة، يمكن أن نرى الحسن الثاني بهدوء أكبر، وموضوعية أكثر… ملك طموح وصل إلى العرش سنة 1961 بعد وفاة والده السلطان محمد الخامس المفاجئة. لم يكن غريبا عن السلطة، ولا وافدا جديدا على الحكم. وراكم صداقات وعداوات كثيرة مع الوطنيين، قبل أن يستلم عصا الحكم.
كان ذكيا وعنيدا معا. تقليدي لكنه يحب أن يعيش في جلباب عصري، يعرف التاريخ جيدا، لكن رؤيته عن المستقبل لم تكن واضحة. كان ملكا مثقفا لكنه مات ونصف شعبه أمي... باختصار، كان ابن البلد بكل تناقضاتها.
بدأ مشواره عنيفا وجامحا مع المعارضة، حتى إن كثيرين لم يتوقعوا له أن يستمر في حكم المغرب سوى بضع سنين، لكنه كذّب كل التوقعات، على الرغم من أنه تعرّض لمحاولتين انقلابيتين (1971و1972) كادتا توديان بحياته. والمفارقة أن الخطر لم يأت من خصومه اليساريين، بل من أقرب خادم له. الجنرال الدموي محمد أوفقير الذي كان يبالغ في إظهار الولاء والإخلاص للجالس على العرش. وفي النهاية ارتكب مجزرة في انقلاب الصخيرات، وقصف الرباط بالطائرات في انقلاب 1972، بعد فشل ضباط سلاح الجو في إسقاط طائرة الملك في الجو. كان هذا درسا كبيرا ومؤلما في الحكم للحسن بن محمد.
بعدها استمر الحسن الثاني في الصعود والنزول. لم تترك قبضته الحديدية له حلفاء سياسيين كبارا، حتى علال الفاسي الذي وافقه على دستور ممنوح سنة 1962 سرعان ما ابتعد عن القصر، ولم يُرجعه إلى البلاط سوى الخوف على سقوط العرش، وعلى ضياع الصحراء. أنقذت المسيرة الخضراء التي استرجع بها الأجزاء المحتلة من الصحراء من الإسبان الملك الراحل من مخاطر تآكل شرعيته، لكنه استثمر ملف الصحراء في مشاريع قصيرة المدى لدعم سلطته، وليس لبناء مغربٍ قوي ومستقر. فرّط في التعليم لأنه كان يراه يفرخ اليساريين أو الإسلاميين وكلاهما يعارض حكمه. نسي الاقتصاد وبناء البلاد، لأنه كان مأخوذا بالسياسة الدولية التي كان بارعا فيها. ركّز أسس حكم تقليدي حول إمارة المؤمنين، ونسي أنه ملكٌ في القرن العشرين.
بنى جيشا محترفا غير قبلي وغير أيديولوجي، وواصل بناء الإدارة التي وضع أسسها المقيم العام الفرنسي، المارشال اليوطي، إبان احتلال المغرب (1912 - 1956). اهتم بالماء في وقت كان العرب يهتمون بالنفط، وجنّب بلاده حربا مفتوحة مع الجزائر. اختار اقتصاد السوق لمملكةٍ بلا موارد كبيرة، كان شعاره من شعار معاوية "والله لو بقيت لي شعرة مع أعدائي ما قطعتها"… لم يمت إلا وقد قلّم أظافر المعارضة الاتحادية، ودفع عبد الرحمن اليوسفي إلى القسم على القرآن الكريم للوفاء بوعد التناوب على الحكومة لا الحكم، حتى الإسلاميون لم يتركهم جميعا خارج حديقته، وافق على إدماج "إخوان" عبد الإله بنكيران بعد أن أخذ منهم ولاء للعرش ونبذ العنف والاشتغال تحت سقف الشرعية مهما نزل.
لو بقي على قيد الحياة، هل كانت مملكته ستكون أفضل مما هي الآن؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، لأن التاريخ مبني على ما كان، لا ما قد يكون. لكن هذا لا يمنع من القول إن الحسن الثاني قام بمراجعات سياسية مهمة قبل وفاته. فتح كتاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وطهّر بيت الحكم. دعا واحدا من أعدائه إلى القصر، وسلمه الوزارة الأولى. تسامح مع الصحافة، وتركها تعبّر عن مغرب ابنه لا مغربه هو. كان يعرف أن مستقبل المغرب في الحكم الديمقراطي، لا في الجلباب السلطوي. بدأ في آخر حياته يظهر زهدا في السلطة بعد أن شبع منها، وبدا له أن السلطة مثل ماء البحر كلما شربت منه أكثر ازددت عطشا أكثر.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.