27 ابريل 2016
حدث في تايلاند
تايلاندية في مظاهرة ضد الانقلاب (مايو 2014 أ.ف.ب)
نبتعد، في هذه السطور، عن إقليمنا، لنقدم دعوة للتأمل بنكهة تايلاند، التي وقع فيها انقلاب عسكري، نجح في الاستيلاء على السلطة، وعطّل الدستور، واحتجز أعضاء الحكومة وعائلاتهم. ففي يوم تنصيب الجنرال برايوث تشان– أوتشا، قائد الجيش نفسه حاكماً "انتقالياً"، ذهب لأخذ الإذن من الملك بومبيول أدلياج، في قصر المراسم الرسمية، بينما هو يعلم، أن جلالته آوى إلى قصره الصيفي على البحر، حيثما لا مراسم، فاكتفى قائد الجيش بتقديم طقوس الولاء لصورة كبيرة للملك واقفاً، في صدر الصالة نفسها، التي يزحف فيها كل رئيس جديد، للحكومة، على ركبتيه، من باب الصالة إلى مجلس الملك، لكي يؤدي اليمين الدستورية. هذه المرة، زحف الجنرال على ركبتيه، وصولاً إلى طيف جلالته شاخصاً من خلال الصورة، وأدّى اليمين!
حكاية الزحف على الركبتين، كانت موضع تساؤلي ذات يوم، في حديث مع سفير تايلاند لدى الهند. قال لي الرجل إن المغزى من هذا التقليد هو التأكيد، أمام رمز البلاد، على احترام الكيان الوطني والمجتمع، وفي حال أن يكون رئيس الحكومة، قد استُدعي للتوبيخ، تنقل التلفزة وقائع دخوله بالمقلوب إلى الصالة، أي يزحف رجوعاً ووجهه إلى الخارج، وصولاً إلى موضع العرش الملكي، ثم يستدير، ليسمع ما ينبغي أن يسمعه، خانعاً راكعاً، كخادم للناس لم يُحسن الخدمة!
أضاف صديقنا التايلندي قائلاً: الحاكمون وقادة الانقلاب، في بلدان أخرى (وهنا، ربما هو يغمز من قناة بعض ناس الحكم في أوطاننا) يودون لو أن الدولة ركعت لهم، ولعق المجتمع أحذيتهم!
وليست هذه الطقوس وحدها، التي كان الإعلام الغربي سيسخر منها، لو أنها وقعت في بلادنا. فتايلاند لا تعني حكومات الغرب، وهي بلد لم تطأه أقدام أي استعمار على مر التاريخ. فالملك الذي أوشك على طي عامه الرابع والثمانين لم يُشاهد مرة مبتسماً، وقد نشر مؤرخ بريطاني للقصور الملكية كتاباً بعنوان "الملك الذي لا يبتسم". لكن رمزيته، ظلت حجاباً ضد أية انتقادات لحجم ثروته التي قدرتها مجلة "فوربس" بثلاثين مليار دولار. فيكفيه، عند التايلنديين، أنه حصل على ثلاث براءات اختراع، تتعلق كلها بأنظمة تهوية لشبكات المجاري. فله، أن يمارس هواياته التي تبدلت مع التقدم في العمر. ففي شيخوخته، استقر على الموسيقى والقراءة.
آوى الملك إلى قصره الصيفي، في مدينة هيوا هِن الساحلية، واكتفى قائد الجيش بصورة له بالحجم الطبيعي، فأحلَّ الطيف محل الرمز، لكي يستولي على الدولة التي يرمز إليها. خرج على الناس قائلاً: لا تظاهرات، ولا شغب، لأن أي حراك سيؤذيكم. إن تطبيق "القانون" سيكون صارماً!
علّق قائد الجيش العمل بالدستور، ومنح نفسه حق إصدار القوانين، وتعهد بالعودة إلى مسار سياسي "في أقرب وقت ممكن". لم يحدد وقتاً، ولا سقفاً للزمن. كان واضحاً أن العزم سيكون له سياق سياسي من نوع خاص، وهو أن تُدار عملية انتخابية مضبوطة الإحداثيات، وفق هواه.
في الساعات التي أعقبت الانقلاب، كانت الطبقة السياسية في البلاد تأمل في الإعلان عن حكومة في المنفى، ونشطت، على هذا الصعيد، منظمة "الجبهة الوطنية المتحدة من أجل الديموقراطية وضد الدكتاتورية" المعروفة اختصاراً بـ "القمصان الحمراء"، وتفاءل رئيس المنظمة، وهو رئيس الوزراء الأسبق، تاكسين شناوترا، بأن يجد ضالته في كمبوديا التي ترحب به دائماً لصلاته العائلية القديمة بها. لكن بنوم بنه اعتذرت، حسب ناطق باسم مجلس وزرائها، فاستُحكمت الحلقات حول تايلاند، من الجوار كله، وتُرك الانقلاب يفعل مفاعليه!
كانت تايلاند تنفذ خطة محكمة للتخلص من السمعة التي عرفت بها سياحتها، وهي التوافر على المخدرات والدعارة. انقطع السياق، وحلّ العسكر، وآوى الرمز إلى منتجعه الصيفي، يمنّي النفس بأن تتمكن البلاد من عبور أزمتها في عهده، مثلما عبرت أزمات عديدة!
حكاية الزحف على الركبتين، كانت موضع تساؤلي ذات يوم، في حديث مع سفير تايلاند لدى الهند. قال لي الرجل إن المغزى من هذا التقليد هو التأكيد، أمام رمز البلاد، على احترام الكيان الوطني والمجتمع، وفي حال أن يكون رئيس الحكومة، قد استُدعي للتوبيخ، تنقل التلفزة وقائع دخوله بالمقلوب إلى الصالة، أي يزحف رجوعاً ووجهه إلى الخارج، وصولاً إلى موضع العرش الملكي، ثم يستدير، ليسمع ما ينبغي أن يسمعه، خانعاً راكعاً، كخادم للناس لم يُحسن الخدمة!
أضاف صديقنا التايلندي قائلاً: الحاكمون وقادة الانقلاب، في بلدان أخرى (وهنا، ربما هو يغمز من قناة بعض ناس الحكم في أوطاننا) يودون لو أن الدولة ركعت لهم، ولعق المجتمع أحذيتهم!
وليست هذه الطقوس وحدها، التي كان الإعلام الغربي سيسخر منها، لو أنها وقعت في بلادنا. فتايلاند لا تعني حكومات الغرب، وهي بلد لم تطأه أقدام أي استعمار على مر التاريخ. فالملك الذي أوشك على طي عامه الرابع والثمانين لم يُشاهد مرة مبتسماً، وقد نشر مؤرخ بريطاني للقصور الملكية كتاباً بعنوان "الملك الذي لا يبتسم". لكن رمزيته، ظلت حجاباً ضد أية انتقادات لحجم ثروته التي قدرتها مجلة "فوربس" بثلاثين مليار دولار. فيكفيه، عند التايلنديين، أنه حصل على ثلاث براءات اختراع، تتعلق كلها بأنظمة تهوية لشبكات المجاري. فله، أن يمارس هواياته التي تبدلت مع التقدم في العمر. ففي شيخوخته، استقر على الموسيقى والقراءة.
آوى الملك إلى قصره الصيفي، في مدينة هيوا هِن الساحلية، واكتفى قائد الجيش بصورة له بالحجم الطبيعي، فأحلَّ الطيف محل الرمز، لكي يستولي على الدولة التي يرمز إليها. خرج على الناس قائلاً: لا تظاهرات، ولا شغب، لأن أي حراك سيؤذيكم. إن تطبيق "القانون" سيكون صارماً!
علّق قائد الجيش العمل بالدستور، ومنح نفسه حق إصدار القوانين، وتعهد بالعودة إلى مسار سياسي "في أقرب وقت ممكن". لم يحدد وقتاً، ولا سقفاً للزمن. كان واضحاً أن العزم سيكون له سياق سياسي من نوع خاص، وهو أن تُدار عملية انتخابية مضبوطة الإحداثيات، وفق هواه.
في الساعات التي أعقبت الانقلاب، كانت الطبقة السياسية في البلاد تأمل في الإعلان عن حكومة في المنفى، ونشطت، على هذا الصعيد، منظمة "الجبهة الوطنية المتحدة من أجل الديموقراطية وضد الدكتاتورية" المعروفة اختصاراً بـ "القمصان الحمراء"، وتفاءل رئيس المنظمة، وهو رئيس الوزراء الأسبق، تاكسين شناوترا، بأن يجد ضالته في كمبوديا التي ترحب به دائماً لصلاته العائلية القديمة بها. لكن بنوم بنه اعتذرت، حسب ناطق باسم مجلس وزرائها، فاستُحكمت الحلقات حول تايلاند، من الجوار كله، وتُرك الانقلاب يفعل مفاعليه!
كانت تايلاند تنفذ خطة محكمة للتخلص من السمعة التي عرفت بها سياحتها، وهي التوافر على المخدرات والدعارة. انقطع السياق، وحلّ العسكر، وآوى الرمز إلى منتجعه الصيفي، يمنّي النفس بأن تتمكن البلاد من عبور أزمتها في عهده، مثلما عبرت أزمات عديدة!