حالة طوارئ دائمة

حالة طوارئ دائمة

12 ابريل 2020
+ الخط -
اتخذت معظم حكومات العالم إجراءات استثنائية لعزل فيروس كورونا، كتحديد حركة الأشخاص والمركبات، وفرض التزام المنزل للمشتبه بإصابتهم، وخصصت حكومات أخرى مبالغ مالية كبيرة لتأمين مستلزمات طبية لعلاج المصابين.. المبالغ الإضافية المخصصة للصحة ورفع جاهزية الوضع الطبي قد تكون مقتطعة من ميزانيات مشاريع أخرى، ولكن ذلك يندرج تحت بند الإجراءات الاستثنائية والطارئة التي يقوم بها جهاز حكومي ما في ظروفٍ خاصة كالظروف الراهنة..
ولكن بعض الحكومات الغربية تعاملت مع فيروس كورونا بشيءٍ من اللامبالاة، فاتخذت إجراءاتٍ في الحدود الدنيا، ولم تحد من حرية التنقل، وحاولت عدم الدخول في حجز الحريات، وتركت الالتزام بالقواعد الصحية لكل شخصٍ بمفرده ليقوم بها، وكأن الجائحة أمر شخصي هو من واجب الفرد في المقام الأول!
وفي المقابل، تخلق التدابير المشدّدة الحادة ضد الحريات في البلدان الديمقراطية الأخرى جدلاً أخلاقياً، وتعقد موازنةً بين مقدار الخطر المتربص والحرية الناقصة، وتطرح أسئلةً مثل: هل تستحق الآثار الناجمة عن انتشار المرض مصادرة حريات الأشخاص؟ وإلى أي مدى ستتأثر هذه الحريات بحجة مكافحة التفشي؟ أسئلة كهذه لها أن تتوسع أكثر وبصورة مشروعة، لتصبح: هل من حق أي جهةٍ إيقاف الاجتماعات الدينية، كإغلاق الكنائس والمساجد وتعليق الزيارات الدينية الجماعية؟ تنحصر عملية اتخاذ مثل هذه القرارات في يد شخص واحد أو لجنة من قليل من الأشخاص، وقد تكون قراراتٌ كهذه اتخذت على عجل، من دون إدراك أن في توقيف النشاط العام حدّاً من حرية الناس، والثورات عبر التاريخ تقوم وتسجل أعداد ضحايا كثيرين في سبيل حصد حريات أكبر.
بالنسبة لسورية، سنّت السلطات قرارات تحدّد أوقاتاً قصيرة للخروج من المنزل، وهو ممنوعٌ بعد السادسة مساء، وأحياناً يبدأ حظر التجول منذ الثانية عشرة ظهراً، ومن نتائجه مشاهد حشود وتجمعات كبيرة على المواصلات والأسواق في الأوقات القصيرة المسموح فيها الخروج من المنزل. ولطالما عاش السوريون ظروف حصار تشبه التي تعيشها بعض دول الديمقراطيات الآن، فمثلاً في التاريخ الحديث، جاهدت إحدى الحكومات السورية بعد الانفصال، وترأسها خالد العظم، لتلغي قانون الطوارئ الذي تم فرضه قبل الوحدة مع مصر، واستمر بعدها، إلى أن ألغاه العظم في أواخر عام 1962، فقام انقلاب البعث بعده بثلاثة أشهر، وقيل وقتها إن قانون الطوارئ لو بقي ساري المفعول لما استطاع الجيش القيام بانقلاب ناجح، وقد عاد بنسخةٍ أكثر ضراوة بعد انقلاب البعث، وما زال ساري المفعول، بشكل عملي. من غير المؤكد أن قانون الطوارئ لو بقي كان سينقذ سورية من مصيرها البعثي، وفي الوقت نفسه، تصرّف العظم بحسب مقولة بنيامين فرانكلين مثل "الذين يشترون القليل من الأمان ببيع الحرية لا يستحقون أماناً ولا حرية".
الخطر الداهم الذي يهدّد العالم حالياً ليس نظاماً سياسياً كالبعث، بل هو داء ينتقل بالعدوى، وقد يوافق كثيرون على التخلي عن الحرية مؤقتاً، في سبيل أمانٍ دائم منشود، والدستوران، الأميركي والفرنسي، يحتويان على بنودٍ تخص حالة الطوارئ وتعترف بها. وفي الحالتين، هناك رقابة برلمانية على تطبيقها، فالطوارئ حالة معترف بها للسلطة التنفيذية، على أن يُبقي المشرّع عيناً على مدى التنفيذ لضمان عدم التمادي. ويعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحالات الطوارئ، على ألا يتم التمييز في التعامل، وتطبيق أحكام الطوارئ على الجميع بشكل متساوٍ، وكأن التشريع الحقوقي العالمي يعترف في الحالات الخطرة إلى الحاجة التي يمكن التضحية فيها ببعض حريات الإنسان لأجل سلامته، بعكس مقولة فرانكلين، وكذلك بعكس حكومات البعث التي تشيع أن الإنسان لا يكون في أمان إلا إذا عاش في حالة طوارئ دائمة!

دلالات