تتطلّب البنود المعلنة أو المسربة عن اتفاق الهدنة المزمع عقده بين حماس والاحتلال، تحليلها من زاويتين، إنسانية ووطنية، بعد أن ساهمت السياسات الفلسطينية الخاطئة في زيادة المعاناة الإنسانية، وتعقيد أوضاعها، حتى بات حلها مسألة معقدة تتطلّب تنازلات وطنية قد تكون مكلفة على المدى الطويل. فمثلاً تسعى الهدنة إلى إنهاء المعاناة غير الأخلاقية وغير الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، والتي يتحمل الاحتلال مسؤوليتها الرئيسية؛ من دون إهمال المسؤولية العربية والفلسطينية أيضاً، عبر إعادة فتح معبر كرم أبو سالم، وتوسيع مجال الصيد البحري في غزة. في حين يتطلّب حل مشاكل الفلسطينيين داخل قطاع غزة أكثر من ذلك بكثير، عبر فرض آليات تضمن حرية حركة البضائع والمواطنين والزائرين، من وإلى القطاع، كما تضمن تحييد هذه الآليات عن أي خلاف أو توترات سياسية مستقبلية، سواء أكانت فلسطينية أم عربية أم دولية. كما يمثل ضمان حقوق الغزيين في تأمين احتياجاتهم الطبية والخدمية أحد أهم الجوانب الإنسانية التي يجب أن يتضمنها الاتفاق ويحيّدها عن أي توترات مستقبلية أيضاً.
أي أن تقييم الاتفاق من زاوية إنسانية يجب أن يستند أولاً إلى قدرته على إنهاء جميع أشكال وأنواع معاناة الغزيين، وثانياً إلى قدرته على إلزام جميع الأطراف والجهات القادرة على حصار غزة بعدم تكرار هذه الممارسات مستقبلاً أو تكرار ما يشابهها. فلا بد أن يضمن الاتفاق حياة حرة وكريمة لجميع الغزيين، بغضّ النظر عن أجواء التوتر والتصادم المحتملة مستقبلاً، وهو ما يتوافق مع القانون الإنساني والدولي الذي يجرم جميع أشكال العقاب الجماعي مهما كانت الذرائع والحجج. في المقابل يمثل فكّ حصار غزة بشكل جزئي أو مرحلي فشلاً ذريعاً وخطأ فادحاً؛ سوف يؤدي مستقبلاً إلى تدهور ظروف وأوضاع الغزيين بصورة أكبر مما هي عليه اليوم، كما سوف يزيد من تدهور مجمل الوضع الفلسطيني.
وبالنظر إلى الاتفاق والمسار الذي أدى إليه بشكل عام، نلحظ قدرة السياسية الفلسطينية على تجنّب الوصول إليه لولا أخطاء الماضي القريب؛ مما جعله اليوم أشبه بهدية مجانية تقدمها القيادات الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، للاحتلال على طبق من ذهب، إذ أدت مجمل السياسات الفلسطينية الفتحاوية والحمساوية وسائر القوى والفصائل والحركات الفلسطينية إلى وضع القضية والشعب الفلسطيني في زاوية يصعب الخروج منها من دون منح الاحتلال مجموعة من الهدايا المجانية، مع العلم أننا عملياً سنبقى في ذات الزاوية حتى ما بعد الاتفاق. الأمر الذي يتطلب التمعّن في مجمل الوضع الذي ساهم في تحويل هذا الاتفاق إلى ضرورة لا بد منها مهما كان الثمن باهظاً؛ كما هو الحال اليوم.
وهو ما يعود بنا إلى بدايات سيطرة حماس على القطاع، بل حتى إلى مشاركتها في انتخابات السلطة الفلسطينية أصلاً، من أجل الحصول على سلطة وهمية، قابعة بكل جوانبها تحت سيطرة وتحكم الاحتلال، حتى لو اضطرت الحركة في سبيل هذا الهدف إلى فرض سيطرتها بقوة السلاح، نتيجة استبداد واستئثار فتح بالسلطة في رام الله؛ ونتيجة أولويات حماس التي أدت إلى سيلان الدماء الفلسطينية الداخلية ثمناً لإحكام سيطرتها على غزة، بعد أن أوهمت مناصريها بأنه الخيار الذي يضمن لها بناء سلطة وطنية، مستقلة، قادرة على استعادة حقوقنا المسلوبة. حتى كشف الواقع كذب وزيف هذه الادعاءات، ومدى خضوع حماس للهيمنة الدولية والإقليمية والإسرائيلية، التي كرّست بدورها الانقسام الفلسطيني المرير والطويل بين التيارين أو القوتين الأكبر والأقوى فلسطينياً، بحيث عكس الانقسام مطامحهما السلطوية الطاغية على أي أهداف ومصالح وطنية.
وقد جسّدت سيطرة حماس على غزة المعنى الحقيقي لمقولة سلطة وهمية تحت الاحتلال، سلطة عاجزة عن كسر الحصار الصارم والجائر المفروض عليها، مما سوف يجبرها، تحت وقع الضغوط المحلية والإقليمية والخارجية، إلى القبول باتفاق جزئي وضعيف مع الاحتلال، لا يختلف عن الكثير من الاتفاقات التي عقدتها فتح معه، والتي كانت حماس تعلن معارضتها لها. بدلاً من اختيار مسار المصارحة الشعبية، الذي ينطلق من الاعتراف بخطأ السعي خلف السراب السلطوي، الذي يتبعه حل جميع المظاهر السلطوية، وتسليم إدارة القطاع إلى السلطة الشعبية الإدارية من دون أي مظهر من مظاهر السلطة الوهمية.
من ناحية أخرى، ساهمت إجراءات سلطة رام الله العقابية تجاه القطاع في حصاره، بدلاً من القيام بواجبها المتمثل في تخفيف وطأة الحصار الإسرائيلي عنه. ذلك لأنها سلطة استبدادية ووهمية كذلك، لا تملك ترف الاختيار بين رفض أو دعم حصار غزة. فهو قرار الاحتلال وعلى أبو مازن وسلطته المضي قدماً به من دون أي تذمّر أو تلكؤ، وهو ما حدث بالفعل. ولذلك أعتقد أن غالبية، إن لم نقل جميع، الخطوات العقابية التي اتخذها أبو مازن تجاه قطاع غزة قد تم إرغامه عليها من قبل الاحتلال، الذي أصرّ على استمرارها؛ على الرغم من مبادرات حماس لإنهاء الانقسام؛ وقبولها تسليم فتح السيطرة على القطاع. وذلك من أجل إفشال محاولة هروب حماس من توقيع مثل هذا الاتفاق؛ ومنعها من الحفاظ على كرامتها وصورتها كحركة مقاومة. ومن أجل إذلال كلا السلطتين؛ الأولى في رام الله التي سوف يخرجها الاتفاق من أي اعتبار، كما يكشف ضعفها وعجزها، وإجرامها وعدم اكتراثها بالشعب الفلسطيني ولا بمصالحه الآنية والمستقبلية؛ والثانية في غزة التي أرغمت على المضي في مسار الاتفاق والمهادنة والقبول بتسليم أهمّ أوراقها، وهي المقاومة، عبر فرض هدنة طويلة، تطاول النضال السلمي كذلك، وهو ما قد يضع الحركة في مواجهة مباشرة مع الغزيين، من أجل إيقاف مسيرات العودة، مما يكرس تجزئة القضية الفلسطينية إلى قضايا متعددة ومنفصلة؛ لكل منها حيثياتها وظروفها ومخارجها، وكأن غزة كيان منفصل عن القدس والضفة واللاجئين خارج فلسطين وعرب الداخل.
في النهاية لا بد من حماية سكان غزة، كما لا بد من استعادة حقهم في الحياة الحرة والكريمة، التي تكفل لهم تأمين مستلزماتهم اليومية المعيشية والطبية والعلمية والخدمية، لكن يحق لنا التساؤل عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف الثمن الباهظ المدفوع لذلك، الثمن الذي قد يضيع غالبية الإنجازات التي حققتها مسيرات العودة على مدار الأسابيع والشهور الماضية؛ هذه المسيرات التي تمكنت استناداً للوعي والإرادة الشعبية من توحيد الفلسطينيين أينما كانوا؛ ومن حثهم على استعادة وحدتهم النضالية من أجل استعادة جميع حقوقنا المستلبة. كما يحق لنا مطالبة كلا الحركتين المسؤولتين عن أوضاعنا الراهنة، بالاعتراف الكامل بجميع أخطائهما القريبة والقديمة، وإعلانهما بأقرب وقت ممكن عن حل كلا السلطتين الوهميتين، لصالح سلطة شعبية إدارية تفضح واقع الاحتلال القائم اليوم.
أي أن تقييم الاتفاق من زاوية إنسانية يجب أن يستند أولاً إلى قدرته على إنهاء جميع أشكال وأنواع معاناة الغزيين، وثانياً إلى قدرته على إلزام جميع الأطراف والجهات القادرة على حصار غزة بعدم تكرار هذه الممارسات مستقبلاً أو تكرار ما يشابهها. فلا بد أن يضمن الاتفاق حياة حرة وكريمة لجميع الغزيين، بغضّ النظر عن أجواء التوتر والتصادم المحتملة مستقبلاً، وهو ما يتوافق مع القانون الإنساني والدولي الذي يجرم جميع أشكال العقاب الجماعي مهما كانت الذرائع والحجج. في المقابل يمثل فكّ حصار غزة بشكل جزئي أو مرحلي فشلاً ذريعاً وخطأ فادحاً؛ سوف يؤدي مستقبلاً إلى تدهور ظروف وأوضاع الغزيين بصورة أكبر مما هي عليه اليوم، كما سوف يزيد من تدهور مجمل الوضع الفلسطيني.
وبالنظر إلى الاتفاق والمسار الذي أدى إليه بشكل عام، نلحظ قدرة السياسية الفلسطينية على تجنّب الوصول إليه لولا أخطاء الماضي القريب؛ مما جعله اليوم أشبه بهدية مجانية تقدمها القيادات الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، للاحتلال على طبق من ذهب، إذ أدت مجمل السياسات الفلسطينية الفتحاوية والحمساوية وسائر القوى والفصائل والحركات الفلسطينية إلى وضع القضية والشعب الفلسطيني في زاوية يصعب الخروج منها من دون منح الاحتلال مجموعة من الهدايا المجانية، مع العلم أننا عملياً سنبقى في ذات الزاوية حتى ما بعد الاتفاق. الأمر الذي يتطلب التمعّن في مجمل الوضع الذي ساهم في تحويل هذا الاتفاق إلى ضرورة لا بد منها مهما كان الثمن باهظاً؛ كما هو الحال اليوم.
وهو ما يعود بنا إلى بدايات سيطرة حماس على القطاع، بل حتى إلى مشاركتها في انتخابات السلطة الفلسطينية أصلاً، من أجل الحصول على سلطة وهمية، قابعة بكل جوانبها تحت سيطرة وتحكم الاحتلال، حتى لو اضطرت الحركة في سبيل هذا الهدف إلى فرض سيطرتها بقوة السلاح، نتيجة استبداد واستئثار فتح بالسلطة في رام الله؛ ونتيجة أولويات حماس التي أدت إلى سيلان الدماء الفلسطينية الداخلية ثمناً لإحكام سيطرتها على غزة، بعد أن أوهمت مناصريها بأنه الخيار الذي يضمن لها بناء سلطة وطنية، مستقلة، قادرة على استعادة حقوقنا المسلوبة. حتى كشف الواقع كذب وزيف هذه الادعاءات، ومدى خضوع حماس للهيمنة الدولية والإقليمية والإسرائيلية، التي كرّست بدورها الانقسام الفلسطيني المرير والطويل بين التيارين أو القوتين الأكبر والأقوى فلسطينياً، بحيث عكس الانقسام مطامحهما السلطوية الطاغية على أي أهداف ومصالح وطنية.
وقد جسّدت سيطرة حماس على غزة المعنى الحقيقي لمقولة سلطة وهمية تحت الاحتلال، سلطة عاجزة عن كسر الحصار الصارم والجائر المفروض عليها، مما سوف يجبرها، تحت وقع الضغوط المحلية والإقليمية والخارجية، إلى القبول باتفاق جزئي وضعيف مع الاحتلال، لا يختلف عن الكثير من الاتفاقات التي عقدتها فتح معه، والتي كانت حماس تعلن معارضتها لها. بدلاً من اختيار مسار المصارحة الشعبية، الذي ينطلق من الاعتراف بخطأ السعي خلف السراب السلطوي، الذي يتبعه حل جميع المظاهر السلطوية، وتسليم إدارة القطاع إلى السلطة الشعبية الإدارية من دون أي مظهر من مظاهر السلطة الوهمية.
من ناحية أخرى، ساهمت إجراءات سلطة رام الله العقابية تجاه القطاع في حصاره، بدلاً من القيام بواجبها المتمثل في تخفيف وطأة الحصار الإسرائيلي عنه. ذلك لأنها سلطة استبدادية ووهمية كذلك، لا تملك ترف الاختيار بين رفض أو دعم حصار غزة. فهو قرار الاحتلال وعلى أبو مازن وسلطته المضي قدماً به من دون أي تذمّر أو تلكؤ، وهو ما حدث بالفعل. ولذلك أعتقد أن غالبية، إن لم نقل جميع، الخطوات العقابية التي اتخذها أبو مازن تجاه قطاع غزة قد تم إرغامه عليها من قبل الاحتلال، الذي أصرّ على استمرارها؛ على الرغم من مبادرات حماس لإنهاء الانقسام؛ وقبولها تسليم فتح السيطرة على القطاع. وذلك من أجل إفشال محاولة هروب حماس من توقيع مثل هذا الاتفاق؛ ومنعها من الحفاظ على كرامتها وصورتها كحركة مقاومة. ومن أجل إذلال كلا السلطتين؛ الأولى في رام الله التي سوف يخرجها الاتفاق من أي اعتبار، كما يكشف ضعفها وعجزها، وإجرامها وعدم اكتراثها بالشعب الفلسطيني ولا بمصالحه الآنية والمستقبلية؛ والثانية في غزة التي أرغمت على المضي في مسار الاتفاق والمهادنة والقبول بتسليم أهمّ أوراقها، وهي المقاومة، عبر فرض هدنة طويلة، تطاول النضال السلمي كذلك، وهو ما قد يضع الحركة في مواجهة مباشرة مع الغزيين، من أجل إيقاف مسيرات العودة، مما يكرس تجزئة القضية الفلسطينية إلى قضايا متعددة ومنفصلة؛ لكل منها حيثياتها وظروفها ومخارجها، وكأن غزة كيان منفصل عن القدس والضفة واللاجئين خارج فلسطين وعرب الداخل.
في النهاية لا بد من حماية سكان غزة، كما لا بد من استعادة حقهم في الحياة الحرة والكريمة، التي تكفل لهم تأمين مستلزماتهم اليومية المعيشية والطبية والعلمية والخدمية، لكن يحق لنا التساؤل عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف الثمن الباهظ المدفوع لذلك، الثمن الذي قد يضيع غالبية الإنجازات التي حققتها مسيرات العودة على مدار الأسابيع والشهور الماضية؛ هذه المسيرات التي تمكنت استناداً للوعي والإرادة الشعبية من توحيد الفلسطينيين أينما كانوا؛ ومن حثهم على استعادة وحدتهم النضالية من أجل استعادة جميع حقوقنا المستلبة. كما يحق لنا مطالبة كلا الحركتين المسؤولتين عن أوضاعنا الراهنة، بالاعتراف الكامل بجميع أخطائهما القريبة والقديمة، وإعلانهما بأقرب وقت ممكن عن حل كلا السلطتين الوهميتين، لصالح سلطة شعبية إدارية تفضح واقع الاحتلال القائم اليوم.