جينات باسيل وإهانة زكّا

جينات باسيل وإهانة زكّا

14 يونيو 2019

نزار زكا وجبران باسيل

+ الخط -
ساعات قليلة فصلت بين المانيفستو الفاشي الذي أطلقه جبران باسيل، وزير الخارجية اللبنانية، رئيس الحزب الحاكم وكتلته النيابية، صهر رئيس الجمهورية، والمرشّح الأبرز لخلافة عمه الرئيس ميشال عون عام 2022، وبين الإهانة الدبلوماسية التي وجهتها إيران من خلال الرسالة التي أرادت إيصالها عبر طريقة الإفراج عن مواطن لبناني معتقل لديها منذ أواخر عام 2015 بتهمة التجسّس لمصلحة أميركا، ويدعى نزار زكا.
في المانيفستو الفاشي لباسيل، عن تفوّق اللبنانيين جينياً على غيرهم من شعوب ولاجئين سوريين وفلسطينيين، كتب معشر فيسبوك وتويتر الغاضب، ومئات الصحافيين المصرّين على التمسّك بإنسانيتهم، ما لم يقله المتنبي في هجاء كافور، استنكاراً وشتماً للقدر الذي أوصلنا إلى هذا الزمن البائس الذي يحكمنا فيه طاقم سياسي يقوده باسيل. ظلت موجة الغضب محصورة طبعاً في الفضاء الافتراضي، في انتظار بدء استدعاءات أجهزة الأمن المغرّدين للتحقيق عندما تهدأ الخواطر ونلتهي بموقف أشد عنصرية في مسلسل تحريض باسيلي يُترجم يومياً باعتداءات عنصريةٍ ضد اللاجئين السوريين، برعاية رسمية، على ما عوّدنا سلوك هذا "العهد القوي". أحد لم يسأل طبعاً عن موقف رئيس الحكومة، سعد الحريري، شريك باسيل في التسوية التي كرّست الأخير وزيراً مطلق الصلاحيات، حيال خطاب الكراهية المتفاقم لصديقه في السياسة، وربما في الأعمال. وما عدا اعتصاما نظمه عشرات الرافضين لخطاب الكراهية ذاك، في وسط بيروت عند ساحة سمير قصير يوم الأربعاء الماضي، اقتصرت ارتدادات القنبلة الفاشية التي رماها باسيل على تعليقات العالم الافتراضي، وانتهت القصة، واستمرت الاعتداءات العنصرية، وستزداد وتيرتها بحسب ما تخبرنا به تجارب سابقة.
وسريعاً، طرأت على اهتمامات اللبنانيين قضية أخرى سرقت الاهتمام من جينات باسيل: قرّرت السلطات الإيرانية إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني المعتقل لديها بتهمة التجسّس لمصلحة أميركا، نزار زكّا. ولأن حكام طهران يصرّون على مزحة أن لديهم ديمقراطية تفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإنهم رفضوا إخبارنا لماذا صدر قرار الإفراج عن زكّا المحكوم بالسجن لعشر سنوات: هل صدر العفو تلبيةً لطلب رئيس الجمهورية اللبنانية ووزير الخارجية ورئيس الحكومة؟ كل ما نعرفه أن وكالة أنباء "فارس" الإيرانية شبه الحكومية، المعروفة بأنها الأقرب إلى الحرس الثوري الإيراني، نقلت، قبل ساعات من إطلاق سراح الرجل يوم الثلاثاء، عن "مصدر مطّلع" ما حرفيته أن "تسليم هذا الجاسوس الأميركي – اللبناني يأتي فقط بناء على طلب ووساطة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله"، قبل أن يختم ذلك "المصدر" إياه بأنه "لم تجر في هذا السياق أي مفاوضات على أي مستوى مع أي شخص أو حكومة"، وأن هذا الأمر "تحقق فقط بناء على احترام ومكانة السيد نصرالله لدى الجمهورية الإيرانية".
تصريح أحرج مسؤولين لبنانيين غير نقديين حتى تجاه النظام الإيراني، فردّ بعضهم على استحياء، مثلما فعل الوسيط الذي أحضر زكّا من طهران إلى بيروت، المدير العام للأمن العام (من أقوى الأجهزة الأمنية اللبنانية حالياً) عباس إبراهيم، عندما قال إن هدف هذا الكلام التشويش على إعادة زكّا إلى بلده. كان على المسؤول الأمني اللبناني قول ما قاله حفاظاً على شيء من الكرامة الوطنية. لكن تكذيب "فارس" لم يصدر عن حكام طهران حتى اليوم، في ظل يقين العالم بأن وكالة مثل "فارس"، في بلدٍ مثل إيران، يستحيل أن تجتهد في نشر خبر حساس من هذا النوع من دون موافقة سياسية عليا بطبيعة الحال، تحديداً من الحرس الثوري. إهانة أغلب الظن أنها مقصودة، تقول عبرها إيران للبنانيين: ليست دولتكم هي من يمكنها تلبية مطالبكم. العنوان واحد: حزب الله وحسن نصر الله شخصياً، وليس حتى حليف لحزب الله ولا ملحقاته المنتشرون من أعلى هرم المؤسسات الرسمية، إلى مسلحين منتشرين على امتداد بلد جبران باسيل.

دلالات

أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري