تستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اليوم الأربعاء، رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون، حيث ستتركز المحادثات على تعثّر تنفيذ معاهدة "بريكست" بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، الذي من المقرّر أن تغادر بموجبه لندن الاتحاد نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ويأتي ذلك بعدما قوبلت رسالة جونسون في بروكسل بقليل من الاهتمام، لما تضمنته من مطالبة بإلغاء "قاعدة الدعم" أو "شرط الضمان" المثير للجدل في الاتفاق، وهو بند طوارئ، الغرض منه ضمان عدم إنشاء حدود جديدة بين الاتحاد الأوروبي وإيرلندا، العضو في التكتل، وإيرلندا الشمالية، ولتبقى الحدود مفتوحة بعد خروج بريطانيا؛ وهو الحل الوحيد للقضية حتى الآن، وفق ما قالت أخيراً المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، ناتاشا بيرتو.
وأعلنت ميركل، أمس الثلاثاء، رفضها الواضح لمطلب جونسون، وأوضحت أنه لن تكون هناك إعادة تفاوض بشأن اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. واعتبرت أن الاتحاد يحتاج إلى حدود صلبة بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية، قبل أن تضيف: "بالطبع سنفكر في الحلول العملية، ويمكن التوصل إليها في وقت قصير... وفي اللحظة التي تكون لدينا فيها قواعد عملية حول كيفية الوفاء بالاتفاق، مع تعريف حدود التجارة البينية، لن نكون بعدها بحاجة لخطوة الدعم".
وفي ظل إصرار جونسون على الخروج مع أو من دون اتفاق، يرى العديد من السياسيين الألمان أنّ ما يطرحه رئيس الوزراء البريطاني غير واقعي. وفي هذا الإطار، قال النائب في البرلمان الأوروبي عن "الحزب المسيحي الديمقراطي"، ماكاليستر لبساور نويه بريسه، إنّ خروج بريطانيا من دون اتفاق هو أسوأ البدائل، ومن المهم تجنّب خروج غير منظم.
بدورها، قالت الخبيرة الأوروبية عن "حزب الخضر" في البوندستاغ، فرانسيسكا برانتنر، إنه يجب أن تكون دول الاتحاد الأوروبي واضحة في التواصل، ونزيهة في التفاوض مع جونسون، مؤكدة أنه لا يمكن إطلاقاً إعادة فتح اتفاق الخروج، معتبرة أنّ المخرج هو مفاوضات سريعة وشاملة، حول العلاقات المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بحسب ما بينت شبكة "ان تي في" الإخبارية.
وفي السياق عينه، اعتبر نيكولاي فون اوندارزا، من مؤسسة العلوم والسياسة لشبكة "ايه ار دي"، أنّ دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى صبر استراتيجي، لافتاً إلى أنه من الواضح أنّ صراع السلطة الحقيقي، يدور في لندن بين جونسون والبرلمان البريطاني، الرافض لخروج بريطانيا من الاتحاد من دون اتفاق، والموقف الحاسم سيكون له.
ويُذكر أنّ أكثر من مائة نائب في البرلمان البريطاني طالبوا، الأحد الماضي، بقطع العطلة الصيفية البرلمانية وعقد الجلسات فوراً، وبشكل دائم، حتى موعد خروج بريطانيا من الاتحاد، لأنّ البلاد على حافة أزمة اقتصادية وأمام حال طوارئ وطنية.
وفي خضم ذلك، ذكرت شبكة "ايه ار دي" الإخبارية، أنّ غرفة التجارة البريطانية في ألمانيا، حذرت جونسون من الخروج من دون اتفاق من الاتحاد. وقال الرئيس التنفيذي اندرياس ماير شفيكراث، إن المزاج السائد بين الشركات سيئ للغاية، والجميع يشعرون بالقلق من توجّه جونسون إلى اعتماد خروج صعب من الاتحاد، من دون الأخذ بعين الاعتبار الخسائر، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بحاجة إلى إيجاد حل.
وأعلن شفيكراث عدم تأييده لإعادة التفاوض بشكل جوهري على الاتفاق، لكن على كلا الطرفين أن يتوصلا بطريقة ما إلى حل وسط، محذراً من أنه بخروج بريطانيا من دون اتفاق، فإنّ ألمانيا ستواجه خسائر فادحة، موضحاً أنّ لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية، مع بريطانيا، خامس أكبر حجم تداول في جميع أنحاء العالم.
وكان جونسون وصف، الإثنين الماضي، في رسالته للمطالبة بإلغاء "خطوة الدعم"، البند المنصوص عليه في الاتفاق، بأنه غير ديمقراطي وينتهك سيادة بلده، مقترحاً الاستعاضة عنه بالالتزام "بحلول بديلة"، ما اعتُبر من قبل بروكسل بأنه حلّ غير قابل للتطبيق من الناحية القانونية، وبأنّ رسالته لم تتضمن أياً من الحلول البديلة الممكنة. علماً أن رئيس الوزراء الجديد يعتبر أن بند الطوارئ سيبقي بريطانيا على ارتباط وثيق بالاتحاد الأوروبي، وهو يحاول الإيحاء بأنه جاد بشأن سيناريو الخروج من دون اتفاق، وأنه، ومن دون أي استعداد من الاتحاد الأوروبي للتفاوض، سيكون قادراً على تقييده.
واعتبر منتقدو جونسون من الأوروبيين، أنّ الأخير يهدر كل طاقاته في التحضير للخروج من دون اتفاق، وممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي، وهذه الاستراتيجية لا تنفع، والمطلوب التوصل إلى اتفاق حقيقي.
جولة أوروبية يتخلّلها حديث عن "بريكست"
وبعد برلين، يتجه جونسون، يوم غد الخميس، إلى باريس، للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليتجه بعدها إلى بياريتز لحضور قمة الدول السبع، حيث يُنتظر أن يجتمع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتحمل أول جولة خارجية لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، دعوته المتكررة للاتحاد الأوروبي بالعدول عن خطة المساندة الأيرلندية، والقبول بمفاوضات جديدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ملوحاً مقابل ذلك باستعداد حكومته للخروج من الاتحاد من دون اتفاق.
وستكون الجولة المنتظرة فرصة كبرى لجونسون لعرض رؤيته لمستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وتصوّره لكيفية تجاوز الانسداد الحالي في ما يتعلق باتفاق "بريكست"، وخروج بريطانيا المنظم من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه سيستغل الفرصة أيضاً للتأكيد، لأكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي، أن بريطانيا ستخرج من الكتلة الأوروبية في الموعد المقرر نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وأن على بروكسل ألا تعوّل على جهود البرلمان البريطاني لعرقلة مسير خروج لندن من العقد الأوروبي.
وقد لا يخوض جونسون في تفاصيل المفاوضات، التزاماً بموقف حكومته الرسمي بعدم العودة إلى طاولة المفاوضات مع الاتحاد ما لم تتخلَّ بروكسل كلياً عن خطة المساندة الإيرلندية، والتي تُعدّ صمام أمان يبقي على الحدود في الجزيرة الإيرلندية مفتوحة حتى التوصل إلى اتفاق تجاري دائم بين لندن وبروكسل.
ويسعى جونسون إلى أن لا يهيمن "بريكست" على محادثاته، في أولى جولاته الخارجية، حيث سيناقش عدداً من القضايا ذات الأهمية في العلاقات مع الدول الأوروبية مثل الأمن والأزمة المناخية والحروب التجارية الحالية.
وكثف جونسون من اتصالاته الأوروبية الأسبوع الحالي، حيث استهله، مساء الإثنين، بمكالمة مطولة مع رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار، كشف فيها الأخير عن تعويل الاتحاد الأوروبي على جهود المعارضة البرلمانية البريطانية، والتي تشمل المتمردين من حزب جونسون، في وقف مسار "بريكست" من دون اتفاق. وأتبع جونسون تلك المكالمة برسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، يحدّد فيها أسباب رفض حكومته خطة المساندة، مقترحاً اللجوء إلى "الترتيبات البديلة" والتي تعتمد تقنيات حديثة للتحكم في الحدود، بما يقلّل من الحاجة إلى البنية التحتية عند النقاط الجمركية بين بلفاست ودبلن. كما تعهد بطرح عدد من الوعود "الملزمة قانونياً"، بهدف بناء الثقة بين الجانبين.
ويعتقد جونسون أن الاتحاد الأوروبي لن يعود إلى طاولة المفاوضات، طالما كان لديه أمل في إمكانية نجاح البرلمان في عرقلة خططه لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والإطاحة به من دواننغ ستريت.
ويأتي ذلك بالتزامن أيضاً مع عدد من الخطوات التي اتخذتها حكومة جونسون على الصعيد الداخلي، مثل توقيع وثيقة إلغاء سريان قوانين الاتحاد الأوروبي، والإعلان عن إنهاء قوانين الاتحاد الأوروبي لحرية التنقل بعد "بريكست" مباشرة، إضافة إلى توقف موظفيها عن حضور الاجتماعات الأوروبية مع بداية سبتمبر/أيلول، وإن كان ذلك لحاجة بريطانيا إلى موظفيها للتركيز على التحضيرات لـ"بريكست".
توسك: جونسون فشل
وقال جونسون لـ"سكاي نيوز"، ليلة أمس الثلاثاء: "آمل أن نحقق بعضاً من التقدم في الأسابيع المقبلة. ولكن أمراً واحداً يعقّد من الصورة الحالية، وهو أن أصدقاءنا الأوروبيين لا يزالون يؤمنون بإمكانية عرقلة البرلمان لـ"بريكست". وأضاف "وطالما اعتقدوا بإمكانية وقف البرلمان لـ"بريكست"، فإنهم لن يقدموا أية تنازلات".
واتهمت بروكسل جونسون بتوجيه الاتهامات الباطلة، في تعليق على قوله في رسالته لرئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك بأن خطة المساندة تهدد اتفاق السلام في إيرلندا الشمالية.
وقال توسك، عبر "تويتر"، إن جونسون يخاطر بإنشاء حدود صلبة، تقطع بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية، واتهمه بالفشل في تقديم حلول عملية وحقيقية لخطة المساندة، خصوصاً أن التقنيات التي تعتمد عليها الترتيبات البديلة التي يطالب بها جونسون غير موجودة.
Twitter Post
|
وكان تعليق جونسون على تصريحات توسك بأن وصفها بالسلبية، قائلاً في مقابلة مع "آي تي في": "رأيت ما قاله دونالد توسك حيال ذلك، وطبعاً يفتقر إلى الحس الإيجابي، ولكني أعتقد أننا سنتمكن من الوصول إلى حل. هناك إحساس حقيقي الآن بضرورة عمل شيء ما للتعامل مع خطة المساندة".
كما اتهم جونسون رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي بالفشل في التعامل مع المسألة بشكل جدي، قائلاً: "إذا نظرت إلى ما قامت به الحكومة البريطانية، فإنها كانت على ارتياح نفسي وعاطفي وفكري مع فكرة بقاء بريطانيا في الاتحاد الجمركي وفلك القانون الأوروبي".
حسابات تساهم في تصلّب الموقف الأوروبي
إلا أن تحركات جونسون الأوروبية قد لا تتعدى كونها محاولات رفع عتب، كي يعزي نفسه بأنه حاول التوصل إلى اتفاق. وبالتأكيد سيستغلها في إطار أية انتخابات عامة مقبلة ومنتظرة في بريطانيا، بعيد "بريكست"، حيث سيكون له توجيه اللوم إلى الاتحاد لرفضه التفاوض.
وترى ألمانيا وفرنسا ما وراء خطوات جونسون، وهو ما قد يساهم في رفضهما لتغيير موقفيهما أيضاً من خطة المساندة. ولكن توجد في ذهن الساسة في برلين وباريس حسابات أوروبية أخرى تساهم أيضاً في تصلّب الموقف الأوروبي. ففي حال تجاوب الاتحاد الأوروبي مع "ابتزاز" جونسون، فإنه يرسم صورة ضعيفة لبروكسل في أية مفاوضات تجارية لاحقة مع أية أطراف أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وبالتأكيد أيضاً أن ألمانيا وفرنسا لا ترغبان في تقويض الثقة الداخلية في الاتحاد، بإرسال إشارات مفادها أن الدول الأوروبية الكبرى مستعدة للتخلي عن الدول الأصغر في التكتل الأوروبي من أجل مكاسب قصيرة الأمد.