جواز السفر... كابوس يلاحق السوريين في المنفى

جواز السفر... كابوس يلاحق السوريين في المنفى

29 نوفمبر 2019
تراجعت قيمة الجواز السوري أمام غيره (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

قصص معاناة السوريين في بلدان اللجوء والمنافي كبيرة حين يرتبط الأمر بالأوراق والمستندات الشخصية، ولا سيما جوازات السفر التي يطلبونها من سورية، وغالباً ما لا يحصلون عليها إلّا بعد مماطلات

يجد سوريون كثيرون ممن يعيشون في بلدان اللجوء، أنفسهم محاصرين بطلب جواز السفر. وبينما هو من حقوقهم الأساسية فإنّهم غير قادرين على الحصول على هذه الوثيقة المهمة بيسر، بسبب العراقيل التي يضعها النظام السوري في طريقهم، بل يتخذ من طلبهم جواز السفر فرصة لابتزازهم وإرضاخهم.

في أغلب دول العالم، يعتبر الحصول على جواز السفر أمراً بسيطاً لا يحتاج إلى تعقيدات أو مراجعات لدوائر أمنية أو ما شابه، ويمنح للمواطنين بأسعار رمزية. ففي تركيا تبلغ كلفة الحصول على جواز سفر ساري المفعول لمدة 10 أعوام للمواطنين الذكور 950 ليرة تركية (ما دون 200 دولار أميركي). أما السوريون المقيمون في تركيا، فيضطرون إلى دفع مبالغ تراوح بين 400 دولار و800 دولار للحصول على جواز سفر، فضلاً عن شهور من الانتظار للحصول عليه.




احتيال
كانت لدى بكر اليونس (19 عاماً) رحلة لا تفوَّت مع فريق الكشافة السوريين حيث يقيم في مدينة إسطنبول، لكنّ جواز السفر عرقلها. يتحدث إلى "العربي الجديد" كيف شكّل الجواز عائقاً أمام هذا الحلم، بحسب وصفه، ويقول: "انتسبت إلى فرقة الكشافة في إسطنبول، عندما كنت في سنّ 15 عاماً، وأحببتها كثيراً. كنت لا أفوّت أيّ رحلة أو معسكر، وعشت تجربة حياة الغابات، وأمضيت أياماً في أكواخ خشبية في جبال منطقة بولو وسط الثلوج، وذهبت أيضاً في معسكرات إلى منطقة سكاريا، وكانت أياماً لا توصف لشدة روعتها، وأنا في هذا العمر، وخصوصاً مع تعلمي أساليب العيش الحر والحياة في الغابات وغيرها". لكن كانت المفارقة لدى اليونس أنّه بعد نحو عامين من الانضمام إلى الكشافة "كانت هناك رحلة للفرق إلى خارج تركيا، وهي رحلة لا مجال لتفويتها. كنت متحمساً جداً لها، لكنّ الوقت كان قصيراً، وبطبيعة الحال لم أكن أملك جواز سفر، واستشرت والدي لأعرف كيف يمكنني الحصول على جواز سفر، لكنّها كانت مشكلة إذ يحتاج الجواز إلى وقت طويل، يتجاوز أربعة أشهر، وتبلغ كلفته نحو 1000 دولار، وفي كلّ الأحوال كانت الرحلة ستفوتني، لذلك فإنّ دفع مبلغ كهذا لقاء الجواز لم يكن أمراً مفيداً، فتخليت عن الفكرة حينها. اليوم وقد بلغت 19 عاماً أعتقد أنّي أحتاج إلى جواز سفر، فليست لديّ هوية سورية حتى، لكن، في ظلّ هذه الظروف والاستغلال، أعتقد أنّ الأمر سيؤجل".



خلال السنوات الماضية من عمر الثورة في سورية، وقعت حالات احتيال كثيرة، وتعرض سوريون لمواقف حرجة أدت إلى مشاكل صعبة الحلّ بالنسبة إليهم، فظروفهم لم تكن تسمح لهم باستصدار جوازات سفر بطريقة مباشرة وشخصية، ومنهم من لجأ إلى سماسرة أو أشخاص قادرين على تخطي بعض الإجراءات الأمنية كي يحصلوا على جوازات السفر.

مصطفى العزو، من إدلب، كان ملاحقاً من قبل النظام ولجأ إلى تركيا، ليقيم عامين تقريباً، وهو يحاول السفر إلى إحدى الدول العربية حيث يقيم شقيقاه ويعملان في مجال البناء. يسرد العزو لـ"العربي الجديد" تفاصيل خداع أحد السماسرة له، قائلاً: "في عام 2014، لم يكن أمامي سوى السفر والعمل مع شقيقيّ، لكن لأني مطلوب للنظام، كان من الصعب حصولي على جواز سفر، فاضطررت إلى اللجوء للسماسرة للحصول على جواز سفر. وفعلاً، دفعت نحو 900 دولار، وتمكنت من الحصول على الجواز، لكن للأسف لم يكن للجواز شيفرة رقمية، بل كان مزوراً، ولم أستطع بعدها الوصول إلى السمسار". يتابع العزو: "بالرغم هذه التجربة الصعبة، كررت المحاولة، وبعد مدة حصلت على جواز سفر نظامي بشيفرة رقمية صحيحة، وتمكنت من السفر، ولم أنسَ ما حلّ بي. السبب في أنّ الجواز الثاني كان صالحاً، أنّني اشترطت على السمسار أن يكون الدفع بعد الفحص، والدرس الأول كان درساً صعباً بالنسبة إليّ. حالياً، أعمل مع أشقائي منذ عام 2014، وتجربتي تلك أذكرها دائماً".




لا تقتصر قضايا الاحتيال والتزوير على استصدار الجواز فقط، إذ تعرض جواد المحمد (34 عاماً) من ريف حمص الغربي أيضاً لعملية احتيال. يقول لـ"العربي الجديد": "قبل القرار الذي أصدره النظام باستبدال الجواز بشكل كامل عند تجديده. كان التجديد يجري بواسطة لصاقة على الجواز، وكان الحصول عليها يسيراً نوعاً ما، خصوصاً من فرع الهجرة في حلب، أو مناطق غيرها عبر وسطاء، وكنت في تلك الفترة في حاجة إلى جواز السفر، فهو بغاية الأهمية لي". يضيف المحمد: "جددت جواز السفر الخاص بي بلصاقة، وكنت أنوي الحصول على إقامة في تركيا، لكن تبينت لاحقاً أنّ اللصاقة مزورة، وبالتالي لم يعد جواز السفر الخاص بي نافعاً، وقد تخليت عنه حالياً اليوم، ولم يعد ذا أهمية لي، إذ أعتمد على بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي في المنطقة التي أقيم فيها جنوبي تركيا".

مغامرة فاشلة
أسامة أبو يونس (65 عاماً) له تجربة مريرة مع قضية الحصول على جواز السفر، وهذه التجربة تلاحقه منذ سنوات، إذ يقول لـ"العربي الجديد": "غادرت سورية مطلع الثمانينيات، لأعيش في السعودية مع أبي وأمي وأشقائي، والحصول على جواز السفر كان دائماً همّاً كبيراً بالنسبة إليّ، من مراجعة السفارة والموافقات الأمنية. حالياً أقيم في مدينة إسطنبول، وفي المرة الأخيرة التي جددت فيها جواز سفري، كلفني ذلك مبلغ 2500 دولار أميركي، وكانت المفاجأة أنّ مدة صلاحية الجواز هي ستة أشهر فقط. تنقلت بين عدة دول عربية للحصول على الجواز، قبل الثورة واعتدت المعاناة طوال سنوات، ودفعت مبالغ كبيرة، لكن لم يكن لديّ أيّ خيار. كأنّ جنسيتي السورية وجواز السفر لعنتان ستلاحقانني حتى أموت، فلا حلّ أبداً لمشكلتي. وبعد هذا العمر، ولكوني أستاذاً جامعياً، أرجو أن أحصل على جنسية أخرى غير الجنسية السورية ليزول عني كابوس جواز السفر الذي لاحقني طويلاً".

ليس الحصول على جواز السفر في الوقت الحالي المشكلة الأولى للسوريين، فهناك مشاكل أخرى ترافقها، فالبلدان التي يمكنهم التوجه إليها محدودة جداً، والتأشيرات صعبة المنال مع جواز سوري باهظ الثمن، لكن فاقد للقيمة، وقد جعل منه النظام السوري أداة لاستغلال السوريين وسلبهم أموالهم".



عوض الخالد، من مدينة تدمر، عاش تجربة صعبة برحلة بحث عن عمل. يتحدث إلى "العربي الجديد" عنها، قائلاً: "بعد دخولي مع عائلتي إلى تركيا، عقب خروجنا من مدينة تدمر التي سيطر عليها تنظيم داعش، في عام 2015، أقمنا في مدينة الريحانية بإقليم هاتاي، وكانت ظروف المعيشة صعبة، وكخريج جامعي لم أجد عملاً يناسبني. كان أخي الكبير يعمل في الجزائر، وكان عمله جيداً هناك، وحتى المعيشة أقل كلفة من تركيا، فكان قرار والديّ بمشورة أخي هو التوجه إلى الجزائر والعيش هناك، لكنّ السفر من تركيا مباشرة إلى الجزائر للسوريين غير ممكن، فكان الخيار التوجه إلى السودان، ثم الجزائر، وهذا ما حدث فعلاً. يتابع الخالد: "في الجزائر، بدأت الأمور تأخذ منحى سيئاً جداً. كنت أعمل في مدينة نائية، ولا تصلنا حاجتنا من الطعام وغيره إلّا مرة في الأسبوع، وعمل أخي توقف، فلم يعد بمقدوري العمل أيضاً. ضاقت بنا الأرض، ولم يكن لدينا خيار سوى العودة إلى تركيا، لكنّ العودة لم تكن بالأمر السهل، إذ نحتاج إلى تصريح دخول حتى نتمكن من ذلك، كذلك فإنّ بطاقات الحماية المؤقته الخاصة بنا تخلينا عنها، وبحسب القانون سنكون ممنوعين من الحصول عليها لمدة خمسة أعوام، وكذلك من دخول تركيا. أما البقاء في الجزائر، فهو استنزاف حقيقي". يضيف الخالد: "بحثنا عن طريقة للعودة، فوجدنا طريقة مخيفة ومكلفة في الوقت نفسه، وهي المغادرة من الجزائر إلى إيران، وعبور الحدود نحو تركيا بطريقة غير شرعية، وبالفعل كان هذا الحلّ خيارنا، وكانت كلفة عبور الشخص الواحد من إيران إلى تركيا 1000 دولار أميركي، لنعود إلى المدينة نفسها التي كنا نقيم فيها في تركيا، ونعيش الظروف نفسها، لكنّ ذلك أسهل مما مررنا به خلال رحلتنا وإقامتنا في الجزائر".




يحتل جواز السفر السوري المرتبة الثانية كأسوأ جواز عالمياً، بحسب موقع "باسبورت إندكس" بعد جواز السفر الأفغاني، وتختلف تكاليف الحصول على جواز السفر السوري، التي تعتبر في الأصل غير رخيصة. وتفوق كلفة الحصول عليه، كلفة الحصول على أفضل جوازات السفر العالمية.