جهاد أم ثورة؟

جهاد أم ثورة؟

20 يناير 2018
+ الخط -
بعد إسقاط حلب بيد الإيرانيين والروس ومرتزقة الأسد، وسقوط الخيار الجهادي المتأسلم وأوهامه حول فرص إقامة نظام ديني في سورية، بدت الفرصة متاحةً لاستعادة رهان الثورة الأول، الذي جعلت تحقيقه هدفها الرئيس، وهو إسقاط النظام الأسدي، وبناء نظام ديمقراطي هو بديله الحتمي والوحيد.
قبل سقوط حلب، كان واضحا أن الثورة غير الجهاد، وأن مشروعها نقيض مشروعه، وانتصاره لن يحقق أهدافها التي هتف لها ملايين السوريين، عندما طالبوا بالحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية لكل سوري، من دون النظر إلى دينه أو معتقده أو انتمائه أو عرقه أو منبته الاجتماعي... إلخ، بينما أعلن الجهاديون أن مشروعهم هو لأهل السنة والجماعة دون غيرهم، وليس لعموم المسلمين، أو لأتباع الأديان الأخرى، وقالوا إن الحرية كفر والديمقراطية بدعة، في موقفٍ توافق توافقا فاضحا مع مواقف النظام من الثورة وأهدافها.
... واليوم، وبعد ما جرى الأسبوعين الفائتين في ريفي حلب الجنوبي وإدلب، حيث سلم تنظيم القاعدة في بلاد الشام مئات القرى من دون قتال إلى إيران والأسد، وتسبب في هجرة نيف ومائتي ألف مواطن من قرارهم وبلداتهم، يتضح بأدلة لا سبيل إلى دحضها أن الجهاد لم يعد فقط مشروعا مناقضا لمشروع الثورة، بل صار مقتلها، وأن قادته، من أمثال الجولاني، يتحدثون بظاهر لسانهم عن إسقاط الأسد وإقامة حكم الله، بينما يوقفون أفعالهم على استكمال معركة القضاء التام والناجز على ما تبقى من الثورة والسوريين.
وكانت جبهة النصرة قد أظهرت بطولات نادرة حقا في حربها ضد سبعة عشر فصيلا من الجيش الحر، قضت عليها بالتتابع خلال العامين الماضيين، وقتلت مقاتليها أو سجنتهم، وصادرت سلاحهم، ولاحقت من نجوا منهم، وقضت كذلك خلال يومين على حركة كبيرة هي "أحرار الشام"، واستولت على سلاحها، وقتلت وأسرت مئات من منتسبيها. وحين انفردت، أخيرا، بمنطقتي إدلب وجنوب حلب، عقدت "مؤتمرا وطنيا" في سياق سعيها إلى بناء إمارة إسلامية تشبه دولة البغدادي، ولكن بطرقها الالتفافية/ الاحتيالية التي دفعتها إلى تشكيل "حكومة إنقاذ"، سرعان ما بادرت إلى إنقاذ تلامذة المدارس وطلاب الجامعات من العلم، وأغلقت مدارسهم وجامعاتهم، واعتقلت عددا منهم، قبل أن تلغي المجالس المحلية المنتخبة، وتستولى على مكاتبها، وما في مخازنها من مواد غذائية وأدوية للسكان.
وشنت جبهة النصرة هجمات على ريف حماة الشمالي، قتل خلالها مئات من عناصرها، فيما كان عليها اتخاذ موقف دفاعي، يعد إدلب وجوارها لصد هجوم كبير، حين وقع، بادرت إلى إخلاء مناطق شاسعة من دون قتال، تطبيقا لمقرّرات أستانة التي هاجمها الجولاني، واتهم من توصل إليها بالخيانة، لاعتقاده بسذاجة أن كلماته يمكن أن تغطي انفراده بتنفيذ ما تقرّر في أستانة بشأن منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وجوارها). والآن، إذا ما تذكرنا أن مساحة المنطقة التي سلمها تربو على أربعمائة كيلومتر مربع، أدركنا المدى الذي بلغه التناقض بين جهاده والثورة. ولماذا استمات الأسد والإيرانيون والروس لفبركة تنظيمات جهادية، منها تنظيمه الذي ما أن أخذ موطئ قدم في سورية حتى شرع يحارب الثوار، وصولا إلى انفراده شبه التام، بما بقي من مناطق محرّرة شمال سورية، حيث تأكد لمن كان لا يصدق أن هدف الجهاد هو خنق الثورة وقتلها، ومنع انتصارها. ولو كان من الثورة لما تخلى عما حرّرته من أراض وبنته من مؤسسات، وأن على السوريين أن يختاروا من الآن بين جهاده والثورة، بعد أن انتفت الشكوك بشأن توافقهما، وتأكد لكل من يريد أن يفتح عينيه أنهما نقيضان، ولا يمكن لأحدهما أن يتعايش بعد إدلب مع الآخر.
واليوم، صار من الضروي أن يتخلى السوريون عن تنظيماته التي أوقفت "جهادها" على ذبح الثوريين، وأن يرتبط مصير سورية بالانحياز إلى الثورة ضد مشبوهين، لا يعرف أحد هويتهم الحقيقية، تكشف أخيرا أن عددا من كبار قادتهم عملاء لواشنطن وموسكو وطهران والأسد، وأن من دعمهم أوصلهم إلى مواقعهم المفصلية، ليسهموا في القضاء على الثورة، وينتزعوا منها ما حرّرته من أرض الوطن بأغلى التضحيات، تمهيدا لإعادتها إلى النظام، كما فعل الجولاني، فهل من المقبول أو المعقول أن يدعم أحد بعد اليوم جهادا يعادي الشعب السوري وحريته، لم يتردد يوما في التآمر عليهما مع الأسد وإيران.
أيها السوريون، إناثا وذكورا، أنقذوا ثورتكم.

دلالات

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.