جنودنا لم يسقطوا
"سليمان خاطِر"!
رحمة اللهِ عليه، لم تقتله نخوتُه، وحِرصُه على تراب وطَنه، بل قتله المتخاذلون المنبطحون العُملاء!
رحمة الله عليه وعلى كُلِّ عين ساهرة على أمن الوطَن؛ فقتلتها يد الغِيلة والغدر والإهمال!
رحمة الله على جنودنا الذين ارتَقَوْا، نحتسبهم عند الله شهداء!
رحمة الله على بلادٍ تتعلّم من أخطائها، وتتخِذ التدابير اللازمة لمنع تكرار الحوادث التي تستهدف أمنها وأمن أبنائها.
وأسفاً على حوادث تستهدف جنودنا، تلك الحوادث التي لم تتوقّف منذ أحداث رفح الأولى وما بعدها، بل ازدادتْ وتيرتها في الشهور الأخيرة بعد الأحداث الملتبسة في 30 يونيو/ حزيران2013.
ومع أنّ الدولة المصرية تُعلن، كُلَّ يوم، عن استمرار عملياتها الأمنية في سيناء لتطهيرها من الإرهاب، كما تعلن صحافتها عن قرب إعلان سيناء خالية من الإرهاب؛ فإنّ تلك العمليات الموسومة بـ"النوعية" في سيناء لم تحفظ لنا أمناً، ولم تحمِ جنوداً، ولم تمنع تكرار المذابح الجماعية للمجندين.
إنّ المشاهِد المأسوية لاستهداف جنودنا، والخسائر الكثيفة في الأرواح، وفشل أجهزتنا الأمنية في تتبُّع الجناة أو رصدهم وضبطهم، وحالة الغموض وتضارب التفسيرات التي تعقب كل عملية، ذلكَ كله يضع علامات استفهام شتّى حول الموقف الأمني الذي يعاني من حالة إهمال وترهّل وإخفاق شديدة.
وهذا الإهمال الجسيم والتقصير الواضح في حفظ أرواح الجنود، كفيل بتقديم أكبر رأس في المؤسسة العسكرية للمساءلة، وإعادة النّظر في خطط الأمن، وقدْر التناغم بين الأذرع الأمنية المختلفة، ومدى سرعة الاستجابة الواعية لمجابهة المخاطر المحتملة.
وبالنظر إلى توقيتات استهداف جنودنا، نجدها تتركّز غالباً في أشهر الصيف التي تشهد حراكاً إرهابياً نَشطاً، نلاحظه في توقيتات الحوادث السابقة:
-في 5 أغسطس/ آب 2012، المصادف لـ 17 من رمضان؛ كانت مذبحة رفح الأولى، والتي ارتقى فيها 16 جندياً، وأصيب سبعة آخرون.
-وفي 19 أغسطس/ آب 2013، كانت مذبحة رفح الثانية، والتي ارتقى فيها 25 جندياً، وأصيب اثنان آخران.
- وفي السبت: 28 يونيو/ حزيران 2014، أوّل أيام رمضان، كانت مذبحة رفح الثالثة، والتي راح ضحيتها أربعة جنود أمن مركزي بمنطقة سيدوت.
-وفي السبت: 19 يوليو/ تموز 2014، 22 رمضان، كانت حادثة الفرافرة التي راح ضحيتها 23 جندياً من قوات حرس الحدود.
- وفي الجمعة 24 أكتوبر/ تشرين أول 2014، مع نهاية العام الهجري، واستقبال عام هجري جديد، أضيفتْ مذبحة جديدة لجنودنا في العريش، راح ضحيتها أكثر من 25 جندياً، وزهاء الثلاثين مصاباً.
ومع كل تلك الحوادث، هل تعلّمنا منها دروساً؟ هل اتخذنا التدابير لعدم تكرارها؟ هل كشفنا عن الجناة الحقيقيين؟ هل فتحنا تحقيقاً شفافاً، وأعلنا نتائجه؟ ليس ثمّة تعامل جدِّي مع تلك الأحداث؟ اللهم إلا الاستباق باتهام فصيل سياسي قاموا بتشويه صورته واستعداء الشعب عليه وتحميله كافة الجرائم والإخفاقات، أو إلقاء التبعة على فصيل مقاوم في أرض مُحتلّة! أو الإعلان عن أسماء حركات وهمية متسببة في الحادث، أو إلقاء التهم على جنود مفصولين من الجيش. والغريب ألا يشير أصبع واحد من أصابع الاتهام إلى عدوٍّ متربّص، لا يرجو لنا أي خير، وهو الكيان الصهيوني المغتصب أرض فلسطين!
ويظلّ الغموض سيِّد الموقف، ويبقى الإهمال المسيطر على القيادات الأمنية، وتبقى تلك القيادات متربّعة على مواقعها، تحميها، ولا تحمي جنودها، مع أنّها مسؤولة عنهم، ويظلّ الجناة الحقيقيون طلقاء يفكّرون في تكرار أعمالهم القذرَة، ولا يزال قادتنا يقاتلون بالبيانات الإعلامية، والأغاني الوطنيّة، ويستهدفون مواطنين كثيرين أبرياء، بدعوى مواجهة الإرهاب؛ فتتشكّل جبهات عدائية جديدة ممن يطالبون بالثأر لذويهم، وتزداد "متوالية الأحقاد" التي يصنعها غياب الوعي الأمني، وعدم مراعاة أبعاده التي لا يمكن اختصارها في هيمنة القوة المسلّحة على المشهد، إذا لم يدعمها إقرار عدل، ونفي ظلم، وإطلاق حُريّة مسؤولة!
جنودنا لم يسقطوا، وإنّما سقط القادة المتاجرون بدمائهم لتحقيق مآربهم السياسية، وتبرير انتهاكاتهم القائمة والمحتملَة في الأيام القادمة.
جنودنا لم يسقطوا، وإنّما سقطَتْ موازين العدْل والحقّ والكرامة!
جنودنا لم يسقطوا، وإنّما سقطَ المتخاذلون عن الأخذ بثأرهم، وردّ الاعتبار لهم!
سقطَ من يرى الخطَر يتهدّده، ولم يتخِذ العُدّة لدفعه!
سقطَ من هانتْ عليه دماء أبنائه، واسترخصَ دماء الأبرياء يقدمها "كبش فداء"، لتجميل مشهد مصنوعٍ، عاجز عن تقديم الجناة الحقيقيين للعدالة والقصاص!
سَقَطَ الأدعياءُ، وعاشَ "سُلَيْمان خَاطِر"!