جنوب السودان تنعطف شرقاً: البداية من فلسطين

جنوب السودان تنعطف شرقاً: البداية من فلسطين

02 فبراير 2015
إسرائيل دعمت الحركات الثورية في جوبا وسلّحتها (فرانس برس)
+ الخط -

أسهمت الأزمة الأخيرة التي شهدتها دولة جنوب السودان مع اندلاع الحرب الأهلية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، بإعادة جوبا لحساباتها حول ملف السياسة الخارجية، خصوصاً بعدما شهدت علاقاتها تأرجحاً مع حلفائها الغربيين لا سيما الولايات المتحدة، فقررت الانعطاف شرقاً.

وفي خطوة عدّها مراقبون محاولة لدغدغة مشاعر الدول العربية والإسلامية وجذب استثماراتها، اعتمدت جوبا في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، سفيراً فوق العادة لدولة فلسطين هو كامل عبد الله، الأمر الذي يُعدّ اعترافاً منها بالدولة الفلسطينية.

وسبق أن أقدمت جوبا على إبعاد نائب مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، فرانسيس دينق، من منصبه عقاباً على قيامه بالتصويت لصالح اعتماد فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، بينما كانت تريد الحكومة في جوبا وقتها أن تلتزم الحياد وألا تصوت سلباً أو إيجاباً.

وبدأت علاقة جنوب السودان بإسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي، إذ دعمت تل أبيب الحركات الثورية هناك وأسهمت في تسليحها، وعند انفصال جنوب السودان وإعلان استقلالها كانت إسرائيل من أوائل الدول التي تُعلن اعترافها بالدولة الفتية (في اليوم الثاني من رفع العلم الجنوبي في يونيو/حزيران 2011). ووقتها أكدت سعيها تأسيس علاقات دبلوماسية كاملة مع جوبا. وبالفعل، سمّت إسرائيل سفيراً لها في جوبا، كما أقرت استثمارات ضخمة تُقدر بملايين الدولارات، جلها في إنشاء الفنادق. كما قدّمت وفقاً لمسؤولين في جوبا، معونات لمساعدة عدد من الوزارات هناك.

في المقابل، لا علاقات تاريخية لجوبا بفلسطين، بل إن هذه العلاقات شهدت توتراً، خصوصاً بعد التصريحات التي أدلى بها نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، ووصف فيها جنوب السودان بـ "الدولة اللقيطة".

يقول النائب في برلمان جنوب السودان، القيادي في الحزب الحاكم، اتيم قرنق، لـ "العربي الجديد"، إن موقف جنوب السودان بشأن القضية الفلسطينية يتوافق تماماً مع موقف الأمم المتحدة الخاص بحل القضية سلمياً وتشكيل دولتين.

ويوضح أن "موقفنا حول التصويت الذي تم لاعتماد دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، كان يقضي بعدم التصويت مع أو ضد القرار لأن سياسة هنية وقتها كانت ضد جنوب السودان بعد أن جاهر بوصفها باللقيطة". ولكنه يؤكد أهمية أن تكون لجوبا "علاقات متوازنة مع كافة دول العالم بما يحقق مصالح الشعوب".

أما العلاقات بين مصر وجنوب السودان، فقد شهدت أخيراً تقدماً ملحوظاً بعد تبادل الزيارات بين البلدين ومحاولات القاهرة إيجاد موطئ قدم داخل الدولة الفتية، لتُشكّل حماية قوية لها فيما يتصل بقضية المياه وروافد نهر النيل.

ويرى مراقبون أن خطوة جوبا باعتماد سفير فلسطيني ربما تكون حصلت بنصيحة من القاهرة التي كان لديها تواصل كبير مع الأولى خلال الفترة الفائتة، وآخر الأدلة زيارة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، إلى القاهرة أخيراً. وسبق أن استاءت مصر عقب توقيع وزير الري والموارد المائية الجنوبي بول ميوم اكيج مع وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي أوزي لانداو، اتفاقاً للتعاون في مجال الري وتحلية المياه ونقلها وتنقيتها، الأمر الذي عدّته مصر خطاً أحمر، لا سيما أن قضية المياه تمثل لمصر بُعداً استراتيجياً.

لكن مصدراً مسؤولاً داخل حكومة جنوب السودان، يؤكد لـ "العربي الجديد" غياب استراتيجية محددة للسياسة الخارجية للدولة الفتية، واصفاً سياستها بالمرتبكة. ويقول إن "خطوة اعتماد سفير فلسطيني تدخل في هذا الإطار، على الرغم من سويتها بالنسبة لأهمية العالم العربي والإسلامي".

أما نائب المندوب الدائم لجوبا في الأمم المتحدة "المُبعد" فرانسيس دينق، فيقول لـ "العربي الجديد" من مقر إقامته في بروكسل، إن "الخطوة تأتي في الإطار الصحيح، إذ إنه لا يمكن لجوبا أن تعادي أي أمة، ويجب عليها أن تكون على استعداد لإقامة علاقات صادقة مع كافة الدول، وأن تنتهج سياسة خارجية متوازنة تحفظ للجنوب مصالحه في المقام الأول".

ويتمسّك بصحة موقفه عند تصويته لصالح فلسطين خلافاً لرغبة الحكومة في جوبا وقتها، موضحاً أن "التصويت كان لمنح الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم كجزء من حقوقهم، فنحن كدولة خرجنا من حرب طويلة عبر تقرير المصير، ولا يمكن أن ننكر ذلك الحق لأي شعب آخر وأن نعترف به وهذا ما تم بشأن فلسطين".

من جهته، يرى نائب رئيس منظمة الأخوة السودانية "الشمالية /الجنوبية" الطيب زين العابدين، أن هناك جملة أسباب قادت جوبا لبناء علاقات دبلوماسية مع فلسطين، على الرغم من أن الأخيرة ليس لديها ما تقدمه لجوبا اقتصادياً أو سياسياً أو دبلوماسياً بشكل مباشر.

ويوضح زين العابدين في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "جوبا اكتشفت أن علاقاتها مع تل أبيب لم تأتِ بما كانت تتوقعه وهو ما حدث مع موريتانيا سابقاً، التي حاولت التطبيع مع إسرائيل وتبادلت معها السفراء ثم عادت وتراجعت عن الخطوة لأنها لم تحقق أهدافها".

ويشير إلى أن "هناك تفكيراً خاطئاً بأن التطبيع مع إسرائيل من شأنه تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة واستقطاب دعمها". ويؤكد أن خطوة جوبا باعتماد سفير فلسطيني "تدخل في إطار محاولتها كسب دعم العرب ومن ثم جذب استثماراتهم، لا سيما بعد تدهور علاقاتها مع الغرب بسبب الحرب الدائرة هناك، كما أن الخطوة تجعل الجنوب منسجماً أكثر مع جارته السودان".