اعتبر قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال أمير برعام، في مقابلة مطوّلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أجريت معه الأسبوع الماضي ونشرت اليوم الجمعة، أنّ أكثر ما يميز الفترة الحالية هو ما سماه عدم الاستقرار الذي تفاقم أكثر بفعل سلسلة العمليات التي وقعت (ضد مواقع وأهداف إيرانية)، منذ مطلع العام الحالي، وعلى رأسها اغتيال قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني من قبل الأميركيين في العراق، والأزمة الاقتصادية المتعاظمة في كل من سورية ولبنان، فضلاً عن تأثيرات جائحة كورونا في دول المنطقة.
وبحسب الجنرال الإسرائيلي، فإنّ لبنان يعيش من الناحية الاقتصادية "أسوأ وضع اقتصادي ممكن، وهو يقترب من الوضع الذي ساد خلال الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، إذ تصل نسبة البطالة إلى 40%، ويعيش نصف المواطنين تحت خط الفقر، كما تنشر تقارير عن وقوع حالات انتحار بسبب الجوع".
ومع أنّ الجنرال الإسرائيلي يقول للصحيفة إنّ "كل هذا ليس مرتبطاً بنا بشكل مباشر، إذ إنه في حال سؤالك أي مواطن لبناني فإنني أشك في أن تكون إسرائيل حتى في المرتبة العاشرة من حيث اهتماماته"، غير أنه أبدى قلقه "من غياب الأفق، وأن المواطن اللبناني بات يدرك أنّ أحد أسباب ذلك هو أداء حزب الله".
ويدعي برعام أن "حالة الشك هذه تتغلغل أيضاً داخل الطائفة الشيعية"، معتبراً أنّ "لبنان الآن في مصيدة حقيقية، تحت ضربات عقوبات اقتصادية خارجية تتفاقم، بفعل الخطوات الأميركية ضد إيران وسورية، إلى جانب عدم ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد اللبناني".
وأضاف "السنة المقبلة ستكون سنة مصيرية، وقد تدفع لبنان إلى حالة تفكك اقتصادي وعدم قدرة على الدفع، وفشل اقتصادي".
برعام: السنة المقبلة ستكون سنة مصيرية وقد تدفع لبنان إلى حالة تفكك اقتصادي
وبحسب قائد المنطقة الشمالية، فإنّ "حزب الله أيضاً يواجه اليوم أكبر أزماته، فعندما كانت عناصره تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد في سورية، كان بمقدوره تبرير ذلك بأنه يدافع عن اللبنانيين من خطر داعش، هذا الادعاء اختفى الآن وعاد غالبية مقاتليه إلى لبنان، وهو اليوم الطرف المسيطر في حكومة لبنان، ورئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب ليس أكثر من دمية يحرّك خيوطها حزب الله".
ومع أنّ الجنرال الإسرائيلي يعتبر أن هذا "الوضع مريح لأمين عام الحزب حسن نصر الله، بحيث يمسك بالخيوط ويحركها من وراء الكواليس، إلا أنّ حزب الله يعجز عن عزل نفسه عن الأزمة، فإذا اهتم فقط بمقاتليه فإنه سيهدم الادعاء بأنّ مبرر وجود الحزب هو كونه حامي اللبنانيين. في غضون ذلك لم تعد إيران قادرة على مساعدة حزب الله مالياً كما فعلت في الماضي.
ويرى برعام أنّ هذا كله "نتاج أزمة يعانيها محور إيران، خاصة منذ اغتيال قاسم سليماني الذي جسد بشخصه المحور الإيراني من إيران عبر العراق وسورية وحتى لبنان. ولغاية الآن ليس هناك من يستطيع أن يتواجد في كل هذه المواقع، وأن يحلّ مكانه بشكل كامل".
ورغم أنّ الجنرال الإسرائيلي ادعى أنّ إسرائيل غير معنية ولا تملك نوايا هجومية ضد لبنان، إلا أنه أشار إلى إمكانية "تطور سيناريو يحاول فيه حزب الله توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل وتسخين الوضع ضدنا، وإن كنت لا أعتقد أنه سيفعل ذلك الآن في نقطة حرجة".
أشار برعام إلى إمكانية تطور سيناريو يحاول فيه حزب الله توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل
وبحسب المتحدث العسكري، فإنّ "الأزمة في لبنان عميقة لدرجة تحول دون أن يتحدث نصر الله عن الهجوم على منشأة نطنز الإيرانية، فهو مشغول بمستقبل حركته، وبالبقاء، لا أعتقد أنه يجد ضرورة الآن في الاشتغال بأمور أخرى".
ويصل الجنرال إلى القول إنّ "التفكك الداخلي في لبنان قد يكون خطراً علينا، ففي الأشهر الأخيرة نرى ظاهرة جديدة تتمثل بمحاولة مواطنين سودانيين اجتياز الحدود الشمالية من لبنان والتسلل إلى إسرائيل، وإذا استمر الوضع القائم في لبنان فإنّ آخرين غير السودانيين سيحاولون اجتياز الحدود".
ومع أنّه يقرّ بالخبرات التي اكتسبها مقاتلو "حزب الله" في سورية، إلا أنّ برعام يعارض الروايات الإسرائيلية التي تستغل ذلك لإخافة الإسرائيليين بفعل هذه الخبرات في الحرب المقبلة، معتبراً أنه "يجب وضعها في سياقها الصحيح"، مشيراً إلى أنّ السيطرة الجوية والأرضية تتوفر للحزب في سورية، "خلافاً للوضع في مواجهة إسرائيل".
واعتبر أنّ حديث "حزب الله" عن خطة "احتلال الجليل"، "هو أمر وارد بالحسبان"، مضيفاً "قد يتمكن مقاتلو الحزب من شنّ هجوم داخل الحدود، وتنفيذ عملية إخلاء واسعة، وهو أمر نأخذه في حساباتنا بجدية كاملة ونستعد لمواجهة، ولكن ينبغي ألا نخيف أنفسنا عبثاً".
وتابع "سيحاول حزب الله احتلال مواقع وثكنات عسكرية، والوصول إلى الصف الأول من بيوت مستوطنات إسرائيلية، لكن لن يتم بأي حال احتلال الجليل. (حسن) نصر الله هو بطل عالمي في الحرب النفسية لكنه يدرك جيداً حقيقة موازين القوى. الضرر الذي سيطاوله سيكون أكبر بكثير مما يمكن أن يلحقه هو بنا".
وتابع أنّ "أفضلية حزب الله في تنظيمه العسكرية ستكون أيضاً مكمن كارثته. سنحارب وفق قوانين الحرب الدولية، كل بيت تخرج منه فرقة من وحدة الرضوان، سيضرب. المواطنون اللبنانيون يعرفون ذلك، وهم لن يبقوا في بيوتهم. لقد سبق أن قال أحد وزراء الأمن السابقين (عمير بيرتز) إنّ على من ينام مع الصواريخ ألا يُفاجأ إذا استيقظ على وقع القنابل. إذا حاولوا المسّ بنا لن ننتظر وصول عناصر الرضوان إلى مستوطنة شلومي، لا مجال هنا للحرب المنصفة، لا يوجد أي احتمال أن نسمح بحدوث ذلك".
ومضى قائلاً إنّ "مقاتلي الحزب ليسوا انتحاريين شيعيين، التقييم الاستخباراتي زائد عن حده لقوة العدو، ونواياه سيئة مثلها مثل النقص في المعلومات. معلوماتنا الاستخبارية جيدة لكننا نستعد لحالة لا تتوفر فيها لدينا المعلومات، وحتى لو توفرت لدينا كل المعلومات فمن المحتمل أن نقرأها بشكل خاطئ".
وكشف الجنرال الإسرائيلي أنّ ّدولة الاحتلال تتابع وتراقب عملية إعادة بناء الجيش السوري النظامي، لكنه يعتقد أنّ الأمر يحتاج بين 3-5 سنوات، كي يكون هذا الجيش "صاحب قوة عسكرية حقيقية".