جميلة المصلي: هذه هي خطة المغرب لما بعد كورونا

جميلة المصلي: هذه هي خطة المغرب لما بعد أزمة كورونا

17 مايو 2020
علمتنا أزمة كورونا دروساً كثيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

تتحدث وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في المغرب، جميلة المصلي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن الإجراءات التي اتخذت للحدّ من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، لفترة الحجر الصحي على الأسر المغربية، وعن مقاربة الوزارة لسؤال "ماذا بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا الجديد؟"
- تواجه الأسر المغربية اليوم وضعاً استثنائياً من جراء أزمة وباء كورونا العالمي، فماذا فعلت الوزارة للحدّ من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لفترة الحجر؟
مسألة دعم الأسر في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، تمت معالجتها باتخاذ إجراءات عدة هامة، اعتمدت في ظل التعبئة الوطنية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، لمحاربة آثار جائحة كورونا، وعلى رأسها إطلاق صندوق خاص بتمويل جهود محاربة تأثيرات انتشار الجائحة، إذ إنّ جزءاً من موارد هذا الصندوق تصرف في الجوانب الاجتماعية. وبالإضافة إلى البرامج الاعتيادية في مجال الدعم الاجتماعي، نجد التدابير المتخذة لصالح الأجراء والمتعلقة بمنح تعويض شهري قدره 2000 درهم (نحو 200 دولار أميركي) لكلّ أجير ومستخدم ينتمي إلى المهن التي يضمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتي تواجه صعوبات، مع الاستفادة من خدمات التغطية الصحية الإجبارية (AMO) والتعويضات العائلية في الفترة نفسها المحددة لذلك. وهناك تدابير لدعم الأسر العاملة في القطاع غير المنظم، والتي لا تتحصل على مدخول يومي بفعل الحجر الصحي، إذ قررت الحكومة صرف دعم لهذه الفئة على مرحلتين، المرحلة الأولى تخص الأسر المستفيدة من خدمة راميد ( نظام التغطية الصحية)، والمرحلة الثانية تخص الأسر التي لا تستفيد من تلك الخدمة. وبحسب حجم الأسرة يتراوح مبلغ الدعم بين 800 درهم (نحو 80 دولاراً) للأسرة المكونة من فردين، و1200 درهم (نحو 120 دولاراً) للأسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص. وهذا الدعم موجه طبعاً لكلّ الفئات بما فيها الأشخاص ذوو الإعاقة.



- وما الذي فعلته وزارة التضامن لمساعدة الأسر في تجاوز الآثار النفسية لفترة الحجر؟
في هذا السياق، أطلقت الوزارة مبادرات عدة لمساعدة الأسر ومواكبتها في تجاوز محنتها مع الوضع المفروض في إطار محاربة انتشار جائحة كورونا. وفي هذا المستوى، تمكن الإشارة إلى إجراءات منها توفير الترجمة بلغة الإشارة والعديد من الوصلات التوعوية، وبلغة الإشارة أيضاً، للوقاية من فيروس كورونا، وهي خدمة تساهم في توعية الأشخاص الصمّ بشكل مباشر، وتسهيل مهمة الأسر في إشراك هؤلاء الأشخاص في الالتزام بالإجراءات الضرورية لتفادي الإصابة بالوباء. كذلك، جرى اعتماد "المداومة التربوية" من طرف الجمعيات الشريكة في إطار دعم التمدرس (التعليم المدرسي) بناء على طلب من الوزارة، وذلك لضمان الاستفادة من استمرار "التمدرس عن بعد" للأطفال ذوي الإعاقة، من خلال برنامج عمل يجري تصريفه عن بعد بغية إنجاز مجموعة من العمليات الحيوية التي تم تحديدها. فضلاً عن ذلك، أطلق عمل خلايا للتواصل والاستماع والتوجيه والإرشاد بالمندوبيات الإقليمية والمنسقيات الجهوية لمؤسسة التعاون الوطني، إذ تقوم الكوادر المشرفة على هذه الخلايا بتقديم تفسيرات وتقنيات علمية، بطريقة مبسطة تمكّن الآباء والأمهات من ضمان استمرارية العمل مع أبنائهم داخل المنزل في ظل الحجر الصحي. وقد استحسنت عشرات الأسر هذه الخدمة التي قدمت لها دعماً نفسياً وإرشادياً حيوياً، خصوصاً أنّ رعاية الأطفال ممن لديهم توحد، ليست سهلة في مثل هذه الظروف.



- شهدت حالات العنف الممارس ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، ارتفاعاً ملحوظاً... كيف تنظرون إلى ذلك؟
مند اللحظات الأولى لتطبيق إجراءات الحجر الصحي، توقع الجميع ارتفاع العنف ضد النساء، وهذا لا يخص المغرب فقط، بل هو أمر نبّه إليه الأمين العام للأمم المتحدة، ودعا إلى حماية النساء والفتيات من العنف الأسري، وسط تقارير عن تزايد حالات العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحي. وبحكم حجم وكثرة وتنوع المسؤوليات التي تتحملها النساء في منظومتنا الثقافية وشبكة العلاقات الاجتماعية القائمة، فمن الطبيعي أن يتفاقم الضغط النفسي عليهن في ظل الوضعية الضاغطة التي يفرضها الحجر الصحي، مما يتوقع معه زيادة العنف ضدهن. لكن، على مستوى المؤشرات الرقمية، فالذي أكدته دورية رئيس النيابة العامة الصادرة مؤخراً، بشأن العنف ضد النساء، خلال الفترة من 20 مارس/ آذار إلى 20 إبريل/ نيسان الماضيين، هو انخفاض عدد المتابعات المتعلقة بحوادث عنف ضد النساء، إلى عشر مرات عن المعدل الشهري، إذ انخفض المعدل اليومي للمتابعات من 1500 متابعة يومية في الأيام العادية إلى 148 متابعة خلال الشهر الأول من الحجر الصحي. وبالطبع، كما أكدت مذكرة النيابة العامة، لا يمكن حالياً الخروج بخلاصات واضحة حول مستوى العنف المنزلي ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، مع العلم أنّ المندوبية السامية للتخطيط أطلقت، بدورها، بحثاً وطنياً حول تأثير جائحة فيروس كورونا على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للأسر المغربية. وقد يكشف هذا البحث عن بعض المؤشرات حول العنف ضد النساء في هذه الظروف، لكنّ الإحصائيات التي توفرت لدى رئاسة النيابة العامة، والتي تهم فقط القضايا المرفوعة للقضاء، تبشر، كما قال رئيس النيابة العامة، باستقرار الأسرة المغربية، وانسجامها واستعدادها للتعايش والتساكن الطبيعي الهادئ، وإن في أصعب الظروف، كظروف الحجر الصحي الذي تعيشه المملكة حالياً لضرورات مكافحة الفيروس.

- لكنّ بعض الجمعيات، من خلال ما وصل إليها من شكاوى، تقول إنّ العنف ضد النساء ازداد في فترة الحجر الصحي، فما رأيكم؟
جمعيات المجتمع المدني تلعب دوراً مهما في محاربة العنف ضد النساء، وهي من الجهات التي تقصدها النساء المعنفات. وتعطي تقييماً من خلال ما وصل إليها من شكاوى واتصالات من طرف النساء المعنفات، وقد يكون الارتفاع المسجل لدى تلك الجمعيات حول العنف ضد النساء يعكس درجة لجوء النساء إليها في الوضع القائم مقارنة بالحالة العادية. لكنّ الأرقام التي تقدمها لا تعكس الوضع العام بالمغرب بل فقط ما وصل إليها. وكما أشرت سابقاً، فالوضع الذي تعيش فيه النساء اليوم قد فاقم الضغط عليهن، كما أنّ جميع أفراد الأسرة يعيشون أيضاً وضعاً ضاغطاً، وهو من الناحية النظرية قد يزيد من حالات العنف. لكنّ المعطيات التي قدمتها رئاسة النيابة العامة أشمل وأعمّ، وهي تفيد عكس ذلك. وكما أوضحت مذكرة رئيس النيابة العامة، فتلك المعطيات تعكس التدابير الطارئة التي اتخذت لتبليغ الشكاوى.



- يعتبر ملف الأشخاص ذوي الإعاقة من الملفات المؤرقة لكلّ وزير يتحمل مسؤولية وزارة الأسرة والتضامن، خصوصاً في ظل الاحتجاجات المستمرة من قبل هذه الفئة، فما هي رؤيتكم لحلّ هذا الملف؟
إيقاع العمل في إعداد وتنفيذ السياسات العامة وبرامجها، يختلف عن إيقاع طموحات وحركات الأشخاص والجمعيات. وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يحميها الدستور، ولها مكانة مهمة في السياسات العامة. وقد بُذلت في هذا الملف جهود كبيرة جداً، وهناك وضوح كبير حوله، بالإضافة إلى أنّ هناك إرادة سياسية قوية لمعالجته ومواصلة التقدم فيه. ومن الناحية العملية، يتم العمل في ملف الإعاقة من خلال مخطط العمل الوطني للنهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي وثيقة إجرائية لتطبيق السياسة العامة الخاصة بهذا المجال. واليوم، نحن نعمل في الوزارة، على إعداد مشروع قانون الدعم الاجتماعي للأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، والذي تم بناء على دراسة مكنتنا من إعداد خريطة وطنية تحدد أنواع وحجم وتوزع الإعاقة بالمغرب أشخاصاً وأسراً. وسيمهد اعتماد السجل الاجتماعي الجاري إعداده أيضاً الطريق لحسن تطبيق مشروع القانون بعد اعتماده. وأود أن أشير هنا إلى أنّ نجاعة محاربة الهشاشة ترتكز على دقة الاستهداف، وهو ما سيوفره السجل الاجتماعي الذي وضع قانونه في البرلمان للمصادقة.

- بعد نحو شهرين من مواجهة فيروس كورونا الجديد، ما الدروس المستقاة من تجربة الحرب ضد الجائحة في ما يخص الحماية الاجتماعية؟
بالرغم من الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي يعيشها العالم بأسره، وما لها من انعكاسات صحية واجتماعية واقتصادية، فإنّها مرحلة حافلة بالدروس والعبر التي ينبغي لنا أن نتوقف عندها من أجل تحسين أوضاع مجتمعنا وبناء قدراتنا على مواجهة مختلف الأزمات. الأزمة المترتبة عن انتشار الجائحة تؤكد أنّ أهم المداخل لتدبير مثل هذه الأزمات يكمن في تضافر جهود جميع المتدخلين من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال تطوير وتحسين السياسات والبرامج ذات الصلة بالحماية الاجتماعية، والقيام بمراجعة عميقة وشاملة لطرق تدبير وتمويل المنظومة ككلّ، وتحسين وتدقيق طرق الاستهداف، لنضمن شمولية آليات الحماية. كذلك، يتطلب الأمر تعزيز الإصلاحات الهيكلية التي باشرها المغرب في هذا الصدد، وتروم في مجملها النهوض بالقطاع الاجتماعي من خلال تحسين ظروف عيش مختلف الشرائح وفئات المجتمع، بالإضافة إلى تطبيق إصلاحات هيكلية في مجال الحماية الاجتماعية. وتمكن الإشارة إلى أنّ تطبيق مشروع السياسة العامة المندمجة للحماية الاجتماعية 2020- 2030، الذي يتم العمل عليه في الوقت الراهن، يعدّ فرصة لاستخلاص العبر من آثار الجائحة واستشراف ما بعدها من خلال التدقيق في البرامج والمشاريع التي سيجري تطبيقها كي تمكّن من إزالة التحديات الكبيرة التي تواجه منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا.



- مقاربة سؤال "ماذا بعد كورونا؟" مطروحة بإلحاح على العديد من القطاعات الحكومية. فما تصوركم لما بعد الحجر الصحي؟
هذا السؤال حاضر بقوة في أجندة وزارة التضامن، واهتمامنا القوي بمقاربة الجواب عن سؤال "ما بعد كورونا؟" أمر طبيعي بالنظر إلى كون الجانب الاجتماعي للوزارة حاضر بقوة في ورش مكافحة انتشار الجائحة. وهذا الحضور يتمثل في جميع الملفات الكبرى التي تشكل أجندة الوزارة، خصوصاً ما يتعلق بالفئات الهشة وفي وضعية صعبة. كذلك، فإنّ هذا الحضور تم فيه قياس جاهزيتنا كقطاع، وجاهزية الهيئات التي تعمل تحت وصاية الوزارة وأخص بالذكر مؤسسة التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية، وسمح أيضاً بقياس نجاعة برامجنا والشراكات التي تجمعنا بالمجتمع المدني. الأزمة الحالية علمتنا دروساً كثيرة، منها حسن استثمار انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة، فكثير من المبادرات التي كانت مجرد أفكار ومشاريع، تحولت إلى إجراءات عملية، واكتسبنا التجربة فيها. فالديناميكية الواسعة التي انخرطت فيها كوادر الوزارة والتعاون الوطني والمجتمع المدني يتم تدبيرها بشكل أساسي من خلال الاجتماعات الافتراضية، وتطبيقات التراسل الفوري. ومن المؤكد أنّ هذا الأمر سيتم توظيفه لتطوير الإدارة الرقمية والخدمات عن بعد، لتحسين خدمة الفئات الهشة وفي وضعية صعبة في المستقبل القريب. وبالرغم من أنّ من السابق لأوانه الحديث عن برامج ما بعد كورونا، فإنّ عدداً من الملفات أخذت طريقها نحو البلورة والإعداد لتلك المرحلة. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى ملف الأشخاص المشردين، ونحن بصدد إعداد تصور لما بعد الحجر الصحي، إذ يجري إعداد استمارات بهذا الخصوص لكلّ شخص تم إيواؤه. وبعد تجميع وتحليل المعطيات المتعلقة بهذه العملية سيتم إعداد برنامج عمل لمواكبة هؤلاء الأشخاص بعد الحجر الصحي. وهذه العملية ستُشرك فيها وكالة التنمية الاجتماعية. ويمكن أيضاً الحديث عن تيسير عملية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على شهادات الإعاقة التي كانوا يذهبون هم أو أسرهم إلى الرباط لتسلمها. ونحن اليوم نعمل بشكل جاد وفعال على رقمنة تلك الشهادات، فبعد انتهاء الأزمة مباشرة سيتمكن هؤلاء الأشخاص من أخدها بطريقة إلكترونية في مناطقهم من دون حاجة للذهاب إلى العاصمة. وفي السياق نفسه، فتحنا ملف الكفاءات بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، ونعمل عليه مع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، خصوصاً الألف شخص الذين تقدموا للمباراة الأخيرة ولم يوفقوا، وذلك لمعرفة مؤهلاتهم وكفاءاتهم بدقة أكبر. وفي المجمل، أعطتنا الأزمة دروسا كثيرة، واكتسبنا فيها مجتمعاً شريكاً فعالاً، كما تعززت تجربة كوادرنا ميدانياً، وسوف نستثمر كلّ ذلك بحول الله، بعد رفع وضع الحجر الصحي، الذي نسأل الله أن يعجّل به لبلدنا ولسائر بلدان المعمورة.



سيرة
وُلدت جميلة المصلي، عام 1969، في مدينة وزان، شمالي المغرب. وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في اختصاص الفكر والحضارة في موضوع "الحركة النسائية... اتجاهاتها وقضاياها" من جامعة "محمد الأول" في وجدة. انتخبت نائبة برلمانية عن حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002. في مايو/ أيار 2015 عينت وزيرة منتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019 عينت وزيرة للتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة.