جغرافية الحنين في أدب الرحلة

جغرافية الحنين في أدب الرحلة

23 ديسمبر 2014
+ الخط -
في كتابه الجديد "إسبانيا والمغرب.. نظرات متقاطعة" يواصل الباحث المغربي د. عبد النبي ذاكر، حفرياته في أدب الرحلة، والذي أهّل صاحب "العين الساخرة.. أقنعتها وقناعاتها في الرحلة العربية"، للفوز بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي عن بحثه الموسوم بـ "الرحلة العربية إلى أوروبا وأميركا والبلاد الروسية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين" (2005م).

ويتيح الباحث للقارئ مفاتيح مواجهة نصوص أدب الرحلة عبر منهجية أكاديمية، حيث يشغل هاجس المنهج حيزا كبيرا في هذه الدراسة، التي تفكك مستويات التمثيلات الذهنية للآخر لدى الرحالين المغاربة، ونظيرتها لدى الرحالين الإسبان، كما تعرض مختلف أقنعة الاحتمال في صورة الآخر، حيث تقوم استراتيجية الانتقاد الغيري على النظرة النقدية للآخر، مغلفة نفسها بقناع الموضوعية وعدم الانبهار، ويأتي هذا البحث ليسد فراغا هائلا تشهده دراسات الأدب الجغرافي.

فيما يخص تداولية الخطاب الرحلي، يشير الباحث إلى أن الصور الغيرية بسياقها العبر - نصي تفاعلت كرافد من روافدها، ويعتبر د. ذاكر المكون السياقي قد جسد أحد ثوابت الصور الثقافية، والتي تحمل في طياتها مؤشر نظرة مستجلبة استقتها العين الواصفة من رصيدها الإيديولوجي الذاتي والجمعي. ويجزم د. عبد النبي ذاكر بأن براغماتية الكتابة الرحلية كانت تتحكم في هذا الخطاب، وانشغلت لذة الكتابة بتقديم العبر، ونسج خيوط فجيعة الإجلاء.

أما جغرافية الحنين وشعرية الألفة، فقد تجلت في الرحلة إلى أماكن معينة وفضاءات محددة، وهي أماكن مشتركة بين الرحلات العربية، حيث تتوارد أسماء نفس المساجد والمدن والقصور والحصون، ففي الرحلة العربية إلى إسبانيا تحتفظ الذات في ذاكرتها بالاتصال السابق، وبالتملك السالف لتعلن لواعج اللااتصال؛ فالرحلة العربية لم تكن رحلة إلى إسبانيا، وإنما رحلة إلى الماضي، وبحث عن الذات "إنها هجرة شقية - رغم ما يغمرها من سعادة - إلى ماض حاضر دائما بكل ثقله في الخرائب الإسلامية والمعمار والآثار". إن الرحلة إلى إسبانيا كانت رحلة إلى أماكن تتحدث إلى الرحالة عن ذاته وتاريخه، لهذا جاءت غارقة في التاريخ الذاتي، مستغرقة في استيهامات الذات المكلومة.

المساهمون