جزّين مدينة الخناجر والسيوف المطعّمة بالذهب

جزّين مدينة الخناجر والسيوف المطعّمة بالذهب

16 أكتوبر 2014
من الصناعات الحرفية في جزّين (خليل العلي/ العربي الجديد)
+ الخط -
جزّين مدينة صغيرة، أنيقة، كل ما فيها جميل وأخّاذ، تلفتك بيوتها القديمة بقناطرها ونوافذها وقرميدها، وهي لوحة طبيعية منحوتة في الصخر والجبال، حيث بإمكانك أن تزور المغاور وأن ترى المطاحن القديمة، هذا إضافة إلى المسابح التي تصبح في الصيف متعة إضافية للسيّاح.

اشتهرت جزّين خصوصاً بصناعة مقابض الشُّوَك والسكاكين والملاعق والخناجر والسيوف، بطريقة فريدة وبرّاقة، ومطعّمة بالمعادن والأصداف التي تُعرض عادة في واجهات المحال في الأسواق التجارية بشكل متناسق، لتبهر أنظار الزوّار من اللبنانيين والسيّاح العرب والأجانب، وتتحول هدية تذكارية يحتفظ بها الملوك والزعماء والرؤساء والمسؤولون في منازلهم ومكاتبهم تحفاً نادرة ومميزة.

عرفت جزّين تاريخيّاً أكثر من عشر أُسَر تنافست على تنويع الزخارف والنقوش، وابتكار الرسوم الفريدة على هذه المستلزمات، التي يمكن أن تجعل من المائدة لوحة فنية، وهي مهنة احترفها أبناؤها أباً عن جد.
تقول غريس رزق المشرفة على منتوجات "آل الحداد" لـ"العربي الجديد": إن العائلة بدأت بهذه الصناعة الحِرَفية منذ عام 1770، إذ بدأوا بالأدوات الحربية التي تشمل السكاكين والخناجر والسيوف، وكانت تصنع من قرون الجاموس والماعز وبعض الأدوات من العاج، وبعد تطور المهنة بدأوا في صناعة أدوات الطعام، ولم يعد صالحاً القرن للاستعمال بسبب عدم تناسبه مع الماء، فصاروا يستخدمون مادة صناعية أخرى مصنوعة من بودرة الزجاج الممزوجة بالخشب والقطن، وهي نفسها المادة التي يصنع منها زجاج الطائرات.

أما حكاية شكل العصفور الذي تتكون منه معظم مقابض الأدوات المصنّعة في جزّين، فتوضح أن الفكرة أتت عندما كان أحد أجداد آل الحداد جالسأ فشاهد أحد العصافير ينقر بصدره فأعجبه المنظر وأخذ منه الفكرة.
بدوره غازي بوراشد ابن بلدة جزّين يقول لـ"العربي الجديد"، إن والده بدأ في صناعة المنتوجات الحرفية الجزّينية منذ عام 1945، من سكاكين وسيوف وخناجر من العاج ومن العظم، ومنها ما هو مطلي بالذهب، ولكنه يشكو حالة الركود لأن هذه الحرفة تنتعش في موسم السياحة فقط.
في المقابل يروي كبار السنّ من الجزّينيين حكاية هذه الصناعة التي تشكل مورد رزق الكثير من أبنائها، حيث كان الأجداد والآباء يرعون قطعان الأغنام والماشية، ويستريحون عند النهر تحت الأشجار، وكانت تتجمّع الطيور حولهم فأعجبهم المنظر، فحفروا الخشب على هيئة الطير، ثم انتقل الحفر إلى قرن الماعز والغنم والجاموس، بدلاً من الخشب.

وشهدت هذه الصناعة عصراً ذهبياً منذ عقود، وكثيراً ما تنافس حرفيوها في ابتكار الأشكال والرسوم والزخرفة التي تزين القبضات المصنوعة من قرون الحيوانات أو عظامها، وتأخذ شكل طاووس أو عصفور أو سمكة أو إوزّة وغيرها، وباتت من أبرز أشكال الفن الحِرفي اللبناني، وتعتبر من أفخم الهدايا التي تقدَّم إلى الشخصيات، إلى درجة أنّ الرؤساء حرصوا على حمل منتجات جزّين رمزاً وطنياً في زياراتهم الرسمية، يهدونها إلى نظرائهم والزعماء الذين يقابلونهم.

قيل إن الرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، كان متيّماً بهذا النوع من الهدايا، وقد أهداه الرئيس اللبناني الراحل، فؤاد شهاب، مجموعة منها. ولا تقتصر هذه الهدايا على قطع الشوك والسكاكين فقط، بل تشمل أيضاً السيوف التي ترصّع قبضاتها وأغطيتها في شكل فني خاص بزخرفته ورسوم وأشكال مبتكرة، واحد منها يحمل اسم "ذو الفقار"، وعصا "المارشال" الذي يتمتع بجودة صناعته والذهب الموجود فيه.

لدى زيارة أمير قطر لبنان، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أهدي عصا "المارشال"، إضافة إلى أدوات الزينة النسائية وأدوات المكتب من قطّاعة ورق وعلاّقة مفاتيح وعلب السجائر وغيرها.
ويختلف سعرها بين مجموعة وأخرى، لكنّها تناسب جميع الطبقات. ويختار الأثرياء عادة المجموعة المؤلفة من أكثر من 100 قطعة مصنوعة من العاج أو مطعّمة بالذهب الخالص أو الأحجار الكريمة، وتبلغ قيمتها بضعة آلاف من الدولارات، بينما أصحاب الدخل المحدود يختارون بعض القطع أو مجموعة صغيرة تراوح قيمتها بين 100 و500 دولار.

المساهمون