28 سبتمبر 2024
جزر النيل تظهر
قليلاً، ويرى المصريون أن الكارثة الأكبر وقعت، حين يكتمل بناء سدّ النهضة الإثيوبي الذي سيتحكّم بنسبة كبيرة من مياه النيل. ستكون الكارثة هائلة، وستُطيح صورةً ترسّخت في الوعي واللاوعي الجماعي المصري والعالمي آلاف السنوات والقرون، ويُمكن الاستعانة، في هذا الصدد، بالتاريخ والجغرافيا والكتب الدينية، لشرح عظمة نهر النيل لمصر وشعبها، وحقيقة شعار "النيل رئة مصر". قليلاً، وسيُصبح ذلك كله من التاريخ. التقارير التلفزيونية عن "ظهور" جزر متناثرة في النيل تُثير القلق من مستقبل أكثر إرباكاً، فلم تتوقف إثيوبيا عن مواصلة بناء سدّ النهضة، المفترض أن تنتهي أعمال البناء فيه في يوليو/تموز 2017، تاريخاً أوّلياً.
أخطاء الأنظمة المصرية المتتالية في تجاهل الموضوع كثيرة، تبدأ أصلاً من الذهنية التي تُدار بها البلاد، ذهنية قائمة على أساس ردّ الفعل غير المدروس، لا على أساس الفعل أو المبادرة. لم تعمل تلك الأنظمة على تدارك الوضع باكراً، وإذا كانت ثورة 2011 قد بشّرت بنموّ وعي مصري جديد، يليق بشعب أرض الكنانة، إلا أن النظام الحالي لم يقم بما يتوجّب عليه في موضوع السدّ. ربما كان من الأفضل للنظام أن يعتقل عشرات آلاف المعارضين، والإيحاء بأن "تفريعة قناة السويس إنجاز عظيم"، وإظهار "الديمقراطية" البرلمانية للعالم، بعد تأخير طويل في سياق معركة بين النظام والنظام بتغييب المعارضة الحقيقية، وتعديل الدستور بما يناسب النظام لا الشعب، وفق أدبيات الأنظمة الديكتاتورية التقليدية.
عدا ذلك، يرفع النظام المصري شعار "محاربة الإرهاب"، تحديداً في سيناء، في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، لكن تلك الحرب تجاوزت الإطار الحقيقي والمطلوب منها، إلى حدّ ارتكاب تجاوزاتٍ إضافية، مثل مواجهة "حماس" في قطاع غزة. الملف السيناوي شرقاً لا يقلّ قيمة في نظر النظام عن الملف الليبي غرباً، في انتظار التغيّرات الدولية التي ستسمح، وفقاً للنظام، في أداء دور ميداني عند الجار المُنهك.
الملف الخليجي ـ الإيراني. سورية. اللاجئون. روسيا. الولايات المتحدة. تركيا. الصين. إسرائيل. الغاز. كلها اهتمامات تبدو شبه يومية للنظام المصري، مع تجاهل للأولوية الأساس، وهي سدّ النهضة، خصوصاً أن النظام قرّر زيادة سعة الأراضي الزراعية في البلاد، مع ما يستتبعها من زيادة استهلاك مياه الريّ، علماً أنه قد لا يُمكن تأمينها في المواسم الزراعية المقبلة.
إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، أي مواصلة إثيوبيا بناء السدّ، وفق معاييرها الخاصة وعدم قيام مصر بالاستنفار اللازم محلياً وإقليمياً ودولياً، لمواجهة الأزمة الجديدة، ستتحول الأمور إلى مجموعة مآسٍ في كارثة واحدة كبرى. النزوح من الصعيد إلى المدن سيزداد، كما سيزداد عدد الراغبين في الهجرة لأسباب اجتماعية وحياتية، خصوصاً أن الخطط الاحتياطية من تحلية مياه البحر أو ترشيد استخدام المياه غير موجودة، بالتالي، ستُصبح أوروبا أمام أكبر موجة لجوء في التاريخ، ستجعل من مسألة اللاجئين من الجهة الآسيوية في تركيا وسورية، وتلك من شمال أفريقيا، من ليبيا والمغرب تحديداً، وكأنها لا شيء أمام موجات النزوح المتوقعة من مصر إلى القارة العجوز. نتحدث عن دولةٍ تعداد سكانها يناهز 91 مليون نسمة.
لكن، هذا كله لا يهمّ، ما يهمّ هو أن "صباع الكفتة" قادرة على معالجة المُصابين بمرض "الإيدز"، وأن رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور لا يحبّ اللاعب السابق، أحمد حسام، "ميدو"، وأن رئيس البرلمان، علي عبد العال، يعمل وكأنه باقٍ إلى دهر الداهرين، وأن بعض الإعلام لا همّ له سوى ملاحقة معارضين، يعتقدون أن حرية التعبير مصانة، وأن بضع كلمات أدبية وإنشائية كفيلة في إقناع الناس بأن "الحكم مهتم". في الواقع، تنتظر مصر أياماً صعبة اجتماعياً وحياتياً، ولا يُمكن أن الاختباء خلف الشعارات والأوهام في ظلّ "ظهور اليابسة" في نهر النيل.
أخطاء الأنظمة المصرية المتتالية في تجاهل الموضوع كثيرة، تبدأ أصلاً من الذهنية التي تُدار بها البلاد، ذهنية قائمة على أساس ردّ الفعل غير المدروس، لا على أساس الفعل أو المبادرة. لم تعمل تلك الأنظمة على تدارك الوضع باكراً، وإذا كانت ثورة 2011 قد بشّرت بنموّ وعي مصري جديد، يليق بشعب أرض الكنانة، إلا أن النظام الحالي لم يقم بما يتوجّب عليه في موضوع السدّ. ربما كان من الأفضل للنظام أن يعتقل عشرات آلاف المعارضين، والإيحاء بأن "تفريعة قناة السويس إنجاز عظيم"، وإظهار "الديمقراطية" البرلمانية للعالم، بعد تأخير طويل في سياق معركة بين النظام والنظام بتغييب المعارضة الحقيقية، وتعديل الدستور بما يناسب النظام لا الشعب، وفق أدبيات الأنظمة الديكتاتورية التقليدية.
عدا ذلك، يرفع النظام المصري شعار "محاربة الإرهاب"، تحديداً في سيناء، في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، لكن تلك الحرب تجاوزت الإطار الحقيقي والمطلوب منها، إلى حدّ ارتكاب تجاوزاتٍ إضافية، مثل مواجهة "حماس" في قطاع غزة. الملف السيناوي شرقاً لا يقلّ قيمة في نظر النظام عن الملف الليبي غرباً، في انتظار التغيّرات الدولية التي ستسمح، وفقاً للنظام، في أداء دور ميداني عند الجار المُنهك.
الملف الخليجي ـ الإيراني. سورية. اللاجئون. روسيا. الولايات المتحدة. تركيا. الصين. إسرائيل. الغاز. كلها اهتمامات تبدو شبه يومية للنظام المصري، مع تجاهل للأولوية الأساس، وهي سدّ النهضة، خصوصاً أن النظام قرّر زيادة سعة الأراضي الزراعية في البلاد، مع ما يستتبعها من زيادة استهلاك مياه الريّ، علماً أنه قد لا يُمكن تأمينها في المواسم الزراعية المقبلة.
إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، أي مواصلة إثيوبيا بناء السدّ، وفق معاييرها الخاصة وعدم قيام مصر بالاستنفار اللازم محلياً وإقليمياً ودولياً، لمواجهة الأزمة الجديدة، ستتحول الأمور إلى مجموعة مآسٍ في كارثة واحدة كبرى. النزوح من الصعيد إلى المدن سيزداد، كما سيزداد عدد الراغبين في الهجرة لأسباب اجتماعية وحياتية، خصوصاً أن الخطط الاحتياطية من تحلية مياه البحر أو ترشيد استخدام المياه غير موجودة، بالتالي، ستُصبح أوروبا أمام أكبر موجة لجوء في التاريخ، ستجعل من مسألة اللاجئين من الجهة الآسيوية في تركيا وسورية، وتلك من شمال أفريقيا، من ليبيا والمغرب تحديداً، وكأنها لا شيء أمام موجات النزوح المتوقعة من مصر إلى القارة العجوز. نتحدث عن دولةٍ تعداد سكانها يناهز 91 مليون نسمة.
لكن، هذا كله لا يهمّ، ما يهمّ هو أن "صباع الكفتة" قادرة على معالجة المُصابين بمرض "الإيدز"، وأن رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور لا يحبّ اللاعب السابق، أحمد حسام، "ميدو"، وأن رئيس البرلمان، علي عبد العال، يعمل وكأنه باقٍ إلى دهر الداهرين، وأن بعض الإعلام لا همّ له سوى ملاحقة معارضين، يعتقدون أن حرية التعبير مصانة، وأن بضع كلمات أدبية وإنشائية كفيلة في إقناع الناس بأن "الحكم مهتم". في الواقع، تنتظر مصر أياماً صعبة اجتماعياً وحياتياً، ولا يُمكن أن الاختباء خلف الشعارات والأوهام في ظلّ "ظهور اليابسة" في نهر النيل.