جريمة القرنين

جريمة القرنين

05 يوليو 2019
تبعات فظائع النكبة لا تزال تقلق الاحتلال (Getty)
+ الخط -
لا يمكن في ظل الحديث عن "صفقة القرن"، تجاهل الحقيقة الوحيدة الناجزة في سياق نكبة فلسطين أنها جريمة القرنين معاً، القرن الماضي والقرن الحالي. وككل جريمة يحاول المجرم إخفاء معالمها أو على الأقل إخفاء الأدلة التي تفضي إليها وتدل على مرتكبها.

ومع أن نكبة فلسطين باعتبارها آخر عملية سطو استعماري متواصلة الفصول، إلا أن المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن الإسرائيلي، يعكف في العقدين الأخيرين، (بحسب ما كشف تقرير لصحيفة هآرتس، أمس، ووثيقة تم استخراجها من خزائن أرشيف "مئير يعري" أحد القادة المؤسسين لحزب "مبام" الإسرائيلي) ليس فقط على محاولة طمس تاريخ النكبة وجرائمها عبر إبادة وثائق لم تنشر بعد، وإنما وهذا هو الأخطر، إبادة وإخفاء وثائق سبق أن تم نشرها أو الاعتماد عليها.

وتهدف هذه العملية، بحسب اعتراف المسؤول الإسرائيلي في وزارة الأمن يحيئل حوريف عن هذه العملية التي بدأت أواسط التسعينيات، إلى إخفاء الوثائق التي تدين العصابات والمنظمات الصهيونية، والأهم من ذلك القادة الإسرائيليون الذين شاركوا في هذه المجازر، مثل مجازر بدير ياسين والطنطورة والصفصاف والدوايمة، ليس لإنكار حقيقة وقوعها، بعد أن بات ذلك متعذراً، وإنما بالأساس للمس بمصداقية الباحث أو المؤرخ الذي يكتب عن هذه الجرائم، مستنداً إلى وثائق كان اطلع عليها، لكن بعد أن أتى على ذكرها تم إخراجها من الأرشيف وإخفاؤها، بحيث لا يمكن الوصول إليها وبالتالي ضرب صدقية رواية هذا الباحث، كما حدث مع بني موريس، الذي أقر بأن محاولته للعودة للوثيقة تعثرت، إلى أن عثر عليها في أرشيف "مئير يعري".
لا تخشى دولة الاحتلال وهي التي مددت السرية على وثائق حرب النكبة إلى تسعين عاماً، من الملاحقة القانونية والقضائية لمجرمي الحرب الإسرائيلية، بقدر ما يرعبها مجرد وجود ما يؤكد غياب أي شرعية لدولة قامت على أرض مغتصبة بالحديد وبجرائم أقر مسؤولون إسرائيليون بأنفسهم أنها لا تقل فظاعة عن جرائم النازية.

صحيح أن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لوثائق إسرائيلية عسكرية عن جرائم النكبة وفظائعها، لكن مجرد سعي دولة الاحتلال حتى بعد سبعين عاماً، إلى إخفاء وثائق خرجت إلى النور، يؤكد حجم القلق الإسرائيلي من تبعات فظائع النكبة على دولة الاحتلال ولو بعد تسعين عاماً، وهي المدة التي أقرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مطلع العام، لإبقاء الوثائق الإسرائيلية طي الكتمان.

المساهمون