جرحى غزة في مسيرة "العودة".. شهادات حَيّة وآلام لم تندمل
علاء الحلو ــ غزة

تمتلئ غرف وأسِرة مجمع الشفاء الطبي، أكبر مشفى في قطاع غزة، بعشرات الإصابات المختلفة، التي وصلت جراء استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة في مواجهة مسيرات العودة السلمية، التي انطلقت يوم الجمعة، وتزامنت مع يوم الأرض الذي صادف الثلاثين من مارس/آذار الماضي.

صوت أنين الجرحى كان مسموعاً ولافتاً، علاوة على آهاتهم المكتومة، إذ أن استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي، الخارق، الحارق، المتفجر "المُحرم دولياً، ضاعف آلامهم، وفاقم سوء أوضاعهم الصحية، وأدى إلى سقوط مئات الجرحى خلال ساعات قليلة.

وتعمّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إصابة المناطق السفلية من أجسادهم باستخدام الرصاص المتفجر، والذي يحدث جروحاً غائرة، تذيب اللحم، وتهتِك العِظام، بهدف إحداث أكبر قدر ممكن من الإعاقات الحركية، وحالات البتر، إلى جانب حالات الشلل الكامل.

"محمد أبو سمعان" 23 عاماً من معسكر الشاطئ غربي مدينة غزة، كان شاهداً على أحداث يوم الجمعة، إذ أصيب منذ اللحظات الأولى لإطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على المتظاهرين العُزل، ويقول: "توجهت صباحاً إلى منطقة جحر الديك، شرقي المنطقة الوسطى في قطاع غزة للمشاركة في مسيرات العودة الكبرى، وبجانبي مئات الشباب، كانت التظاهرة سلمية، ولم نتجاوز الحَدّ المسموح به، لكننا فوجئنا بإطلاق النار من الجنود الإسرائيليين".

ويتابع الشاب أبو سمعان لـ "العربي الجديد"، وقد بدا الألم واضحاً على ملامحه: "أصبت برصاصة في قدمي، شعرت حينها وكأن ماساً كهربائياً يسري في كل جسدي"، مبيناً أن الجنود بادروا بإطلاق النار دون أي سبب، وأضاف: "تحولت المنطقة لساحة حرب، وأصيب في ذات اللحظة نحو عشرة شباب آخرين".

في السرير المجاور، كان يرقد الفتى محمد العقاد 15 عاماً من منطقة الشجاعية شرقي مدينة غزة، وحوله والدته وذووه، ويقول لـ "العربي الجديد" إنه توجه برفقة صديقه للمشاركة في مسيرة العودة، في منطقة دوار مَلَكَة، شرقي حي الزيتون، موضحاً أنه أصيب في قدمه وهو يحاول غرس علم فلسطين في الرمل.

ويتابع: "كانت الأوضاع صعبة للغاية، بعد إطلاق  قوات الاحتلال الإسرائيلي في النار علينا، على الرغم من أننا لم نشكل أي أذى أو خطر على الجنود، إذ كانت المسيرة تبعد مئات الأمتار عن تواجدهم"، موضحاً أنه تم نقله على النقالة للإسعاف، الذي أقله فيما بعد إلى مستشفى الشفاء لتلقي العلاج".

ولم تختلف حالة الجريح محمد الهرباوي 20 عاماً من سكان منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، عن باقي الجرحى، إذ أصيب وهو على بعد ألف كيلومتر عن السياج الحدودي، وعن ذلك يقول: "ذهبت أنا وأصدقائي للمشاركة في المسيرة، وقبل وصولنا للخيام المخصصة للاعتصام، طلبت منهم التوجه لصلاة الظهر، وخلال توجهنا للصلاة، أطلقت قوات الاحتلال النار علينا، وأصبت في قدمي اليسرى، لكنني لم أشعر بها، وبعد ثوانٍ قليلة، أصبت بطلق متفجر جعل جسدي يرتجف، وسقطت أرضاً، وقدمي تنزف مثل نافورة دم".

"حملني أصدقائي إلى الإسعاف الذي أقلني لمستشفى الأقصى في المنطقة الوسطى، وأجريت لي الإسعافات الأولية، وعملية زرع بلاتين في قدمي، وبعد ذلك تم نقلي إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة لاستكمال باقي العلاج، وإجراء عملية جراحية أخرى لربط الشرايين الممزقة"، وفق الهرباوي. 


ويبين الهرباوي لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي استغل سلمية التظاهرات، وبادر بإطلاق النار الحي والكثيف، على الرغم من عدم تشكيلها أي خطر، مضيفاً: "لن تثنينا هذه الممارسات الإسرائيلية عن المطالبة بحقوقنا في الرجوع إلى أراضينا التي سلبتها إسرائيل عام 1948م".

ولم تفرق القوات الإسرائيلية بين المواطنين المدنيين الذين خرجوا للمطالبة بحق العودة، والصحافيين الذين مارسوا دورهم في تغطية الحدث، ويقول المصور الصحافي محمود مدوخ، الذي أصيب أثناء تصويره للأحداث: "كنت على بعد 500 متر من السياج الحدودي، ومع ذلك قام جندي إسرائيلي بإطلاق النار تجاهي، على الرغم من وضوح عملي الصحافي".

ويضيف مدوخ لـ"العربي الجديد": لاحظت وجود شاب يقترب من السياج الحدودي، وتصويب جندي إسرائيلي السلاح عليه، فقمت بتصوير المشهد، لكنني فوجئت بإطلاق الجندي ذاته النار باتجاهي وإصابتي، مبيناً أنه وثق لحظة إصابته، وستقوم الشركة التي يعمل بها بنشرها فيما بعد.

بدوره؛ يقول مدير قسم الاستقبال والطوارئ في مجمع الشفاء، الطبيب أيمن السحباني إنه تم إعلان حالة الطوارئ، واستنفار الطواقم الطبية يوم الجمعة استعداداً لوصول أعداد من الجرحى، وبالفعل بدأ وصول عشرات الإصابات، ومع حلول نهاية اليوم الأول وصل نحو 282 حالة لمجمع الشفاء الطبي فقط، على الرغم من أن القدرة الاستيعابية للاستقبال والطوارئ 20 حالة، أي بنسبة 14 ضعفاً.

ويبين لـ "العربي الجديد" أنه تم تقسيم الكوادر الطبية وفق الخطة إلى قسمين، قسم يعمل يوم الجمعة، والآخر يوم السبت، لكن الأعداد الكبيرة للجرحى دفعت إلى استدعاء كل الكوادر الطبية، وتم إجراء نحو 48 عملية في اليوم الأول، و47 عملية في اليوم الثاني، استغرق بعضها نحو أربع ساعات، مبيناً أن معظم العمليات كانت تحتاج إلى طاقم طبي كامل، يعمل فيه أطباء العظام، الجراحة العامة، الأوعية الدموية، والتجميل، وتسبب ذلك بمضاعفة وقت العلاج.

تم إعلان حالة الطوارئ في المستشفى (عبد الحكيم أبو رياش) 

ويلفت السحباني إلى أنّ الإصابات كانت في الأطراف السفلية، وتهتكات شديدة في العظام والأوتار والأوردة والشرايين والعضل"، مبيناً أن الطواقم الطبية أطلقت في اليوم الأول نداء استغاثة للجمعيات المعنية لإمداد القطاع الصحي والمستشفيات بالأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة بعد نفاد المخزون الاستراتيجي الذي رُصد للتعامل مع الأحداث.

كان هدف الاحتلال إصابتهم بإعاقات حركية (عبد الحكيم أبو رياش)

ويوضح أنه على الرغم من التعامل ميدانياً مع عدد كبير من الحالات، إلا أن أسِرة مجمع الشفاء الطبي باتت ممتلئة بالجرحى، وأن تلك الحالات ستستغرق وقتاً طويلاً في العلاج، محذراً من أن الصحة وضعت خطة "ب" و"ج" للتعامل مع الأحداث، لكنها استخدمتها جميعاً نظراً للأعداد المهولة للإصابات.

استغرق علاج الجرحى وقتا طويلا (عبد الحكيم أبو رياش)