جذور السيناريو المصري في الجزائر!

جذور السيناريو المصري في الجزائر!

19 مايو 2019
+ الخط -
تعتبر مرحلة فجر الاستقلال (1962 - 1965) المرحلة الأكثر تعقيدا، والأكثر تأثيرا في صناعة ما تعيشه الجزائر اليوم، لما لتلك المرحلة من حساسية وخصوصية، فقد عرفت الصراع والشقاق الأكثر خطورة بين الإخوة الأعداء وبين رفقاء السلاح والدرب، وحتى شركاء في اختطاف الاستقلال والسيطرة على العاصمة غداة جلاء قوات المستعمر..

فالطالب هواري بومدين (محمد بوخروبة) القادم على متن سفينة (دينا) المحملة بالسلاح والذي لم يكن اسما يذكر، فمساره النضالي لا يرقى إلى أن يسيطر بتلك الطريقة "الهوليودية" على السلطة ويستخدم الرئيس أحمد بن بلة مطية لبلوغ هدفه.

ومسار أحمد بن بلة معروف لدى العام والخاص، فقد كان من أبرز الأسماء وأنشطها سواء على الصعيد السياسي وعضويته رفقة النخبة التي فجرت الثورة في حزب الشعب الجزائري المنبثق عن أفكار مصالي الحاج الرافض أصلا لأي تطبيع مع فرنسا، كيف لا وهو أول من نادى بالاستقلال التام مطلع عشرينيات القرن الماضي، وعلى الصعيد العسكري في المنظمة الخاصة الـ OS التي كانت تمثل الجناح العسكري لحزب الشعب الجزائري ومثّلت بدرجة كبيرة النواة الأولى لتفجير ثورة الفاتح نوفمبر 1954.


فلو وضعنا مقارنة بسيطة بين بومدين وبن بلة لوجدنا أن بن بلة كان الأكثر شعبية وهو الذي كانت تربطه علاقات وطيدة بالرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي فكّك حكم المملكة في مصر، وأسس لعصر الجمهورية في أرض الكنانة، لكن علاقة بن بلة بمصر وعبد الناصر كانت نقمة عليه أكثر من كونها نعمة، فبومدين الشاب الطامح للسيطرة على المشهد آنذاك كان مخططه أكبر وأخطر، وانتهى إلى مآلات لم تكن في الحسبان.

وانسياق الرئيس الراحل أحمد بن بلة وراء بومدين وتخندقه الكلي مع جماعة ضد جماعة من أبناء الوطن الواحد، جعلته يدفع الثمن فيما بعد سنة 1965 لحظة الانقلاب عليه من طرف صديقه بومدين الذي قام بتزيين انقلابه بتسميته "تصحيحا ثوريا".

وتعرض بن بلة للتجربة نفسها التي تعرض لها الرئيس المصري محمد نجيب في مصر، فبعد ثورة يوليو 1952، والتي أنهت حكم الملك فاروق عن طريق جمال عبد الناصر ورفاقه من "الضباط الأحرار"، وجد عبد الناصر نفسه أمام عقبة صعبة وهي غيابه شعبيا، على عكس محمد نجيب الذي كان يحظى بشعبية واسعة، مما جعله يستخدم من طرف عبد الناصر الذي كان طموحه جامحا في تلك الفترة، بومدين طبق نفس الخطوات على بن بلة بعد أن رفض من بقية الزعماء الذين كانوا في سجن لاسنتي بفرنسا منذ 22 أكتوبر 1956 وهم بن بلة ومحمد بوضياف ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد ومصطفى الأشرف، فتأثر بومدين بتجربة عبد الناصر وهو الذي كان طالبا في الأزهر بمصر جعلته يستخدم نفس الطريقة والتي انتهت بانقلاب 19 يونيو/ حزيران 1965.

وعاد إلى أذهان الجزائريين السيناريو المصري الذي كان حاضرا في سنوات الاستقلال الأولى، بعد حراك 22 فبراير/ شباط المطالب بسقوط عبد العزيز بوتفليقة الرئيس المستقيل في 2 إبريل/ نيسان 2019، بعد خروج الجزائريين بالملايين في الساحات مطالبين برحيله، وما أعاد مشهد السيناريو المصري بنسخته "السيساوية" في أذهان الجزائريين هو الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية في تغيير مجرى الأحداث ووصفها لمحيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بـ"العصابة"..

وما جعل الجزائريين يربطون الأحداث ببعضها بعضاً هو ظهور قائد أركان الجيش الجزائري الفريق قايد صالح بشكل ملفت، حتى أن الجزائريين صاروا ينتظرون خطاباته التي تناغمت في كثير من المرات ومطالب الحراك المرفوعة، إلا أن سيناريو انقلاب عبد الفتاح السيسي سنة 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي والزج به في السجن، عكر مزاج الجزائريين وجعلهم يتوجسون من تكرار تلك التجربة البائسة في الجزائر، خاصة مع تصاعد الأبواق المحذرة من الطموح الزائد لقائد الأركان.

ولكن الشيء الذي غاب عن المحذرين من السيناريو المصري في الجزائر، أن الجزائريين قد حفظوا الدرس، ودفعوا الثمن في عشرية دموية كانت فتيلا لموجة من الوعي المتصاعد ومن الإيمان بضرورة التخلص من "الورم" من جذوره، وهذا ما جعل الجزائريين يسيرون في انسجام كبير والمؤسسة العسكرية، فالسيناريو المصري في الجزائر بعيد كل البعد عن أن يطبق في هذه الفترة، فوعي الجزائريين أكبر وأحلامهم أعظم.