تعيش أحياء مدينة جدة (غرب السعودية) مجدداً أزمة مياه خانقة، تسببت في رفع قيمة صهريج المياه من 70 ريالاً سعودياً (19 دولاراً أميركياً) إلى أكثر من 500 ريال (134 دولاراً).
كما تسبب الازدحام الكبير في محطات المياه إلى تأخر حصول المستهلك على طلبه لأكثر من 10 ساعات. في المقابل، تصل فترة انتظار الصهاريج، التي يتم التقديم عليها عبر شركه المياه، إلى أكثر من خمسة أيام.
وعلى الرغم من أنّ جدة تمتلك مثل بقية المدن السعودية شبكة مياه محلاة متكاملة، لكنّ كثرة الأعطال تسببت في عطش المدينة، التي يسكنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وتعتبر ثاني أكبر مدن السعودية بعد العاصمة، الرياض.
من جهتهم، يؤكد مواطنون أنّ تباعد فترات توزيع المياه عبر شبكة المدينة، التي تقع على ساحل البحر الأحمر، هو سبب الأزمات. فبعض الأحياء لا تصلها المياه عبر الشبكة إلا مرة واحدة شهرياً، فيما لا تستوعب خزانات البيوت مياهاً لأكثر من خمسة أيام. وهو ما يضطرهم لشراء مياه الصهاريج، التي تديرها عمالة غير نظامية وتستغل هذا الوضع لصالحها.
وفي هذا الإطار، يصف المواطن، أحمد عسيري، الوضع الحالي بأنّه "غير مريح على الإطلاق". ويقول لـ"العربي الجديد": "نشتكي من قلة مياه الشرب ومن الطوابير الطويلة للحصول على صهريج مياه بسعر مرتفع جداً".
بدورها، تطالب "الجمعية السعودية لحقوق الإنسان" بتدخل هيئة مكافحة الفساد الحكومية، لوضع حد للأزمة الأسوأ منذ سنوات. وكانت الجمعية قد رصدت جملة من الانتهاكات، من أبرزها سوء أماكن انتظار الحصول على الصهاريج، والتمييز ما بين المواطنين والمقيمين، بالإضافة إلى عدم تخصيص مواقع خاصة للأشخاص المعوقين. واعتبرت الجمعية أنّ "الوضع الحالي مزرٍ ولا يمكن القبول به".
أكثر أحياء المدينة تضرراً في الأزمة الأخيرة كانت أحياء السامر، والسالمية، والأجواد، والمنار. ويقول سكان جدة إنّ من الصعب الاستمرار على هذا المنوال ودفع نحو 400 دولار شهرياً لمجرد الحصول على مياه يفترض أن تكون مجانية.
وبينما تعيش بعض الأحياء الأزمة منذ عدة أشهر، تعرضت أحياء أخرى إلى سلسلة من الانقطاعات المتكررة، لكنها ازدادت أخيراً وامتدت إلى عدد أكبر من الأحياء.
في هذا الإطار، يستغرب الاستاذ في جامعة الملك عبد العزيز، ماجد الحارثي، وصول الحال في جدة إلى ما وصلت إليه من نقص حاد في المياه. ويعتبر أنّ هنالك إهمالاً وتقصيراً أدّيا إلى الوضع الحالي. ويقول لـ"العربي الجديد": "مشهد أهالي جدة وهم محشورون في مواقف الصهاريج، للبحث عن بعض المياه، غير مقبول. لماذا لا نكون مثل الرياض أو الدمام وتصلنا المياه إلى منازلنا؟". ويضيف: "أين محطة التحلية؟ كم تضخ من المياه لثاني أكبر مدن السعودية؟ لماذا نعطش صيفاً وتغرقنا الأمطار شتاء؟ ما يحدث دليل على الفساد الذي نعيشه في عروس البحر الأحمر".
من جهتهم، يحاول مسؤولو وزارة المياه تلطيف الأجواء المشحونة ببعض الوعود، التي لم تعد كافية لمنع العطش. ويحمّل هؤلاء المسؤولية للمؤسسة العامة لتحلية المياه، لأنها هي المسؤولة عن ربط أنابيب نقل المياه من محطة التحلية الثانية الجديدة. ويعيد مدير شركة المياه الوطنية، عبد الله العساف، النقص الحاد في المياه في الفترة الأخيرة إلى أعمال الصيانة الجارية في محطات التحلية.
كذلك، أجبر تذمر المواطنين هيئة الرقابة والتحقيق على زيارة شركة المياه الوطنية، والتحقيق مع عدد من المسؤولين فيها لمعرفة أسباب أزمة المياه. وقدم مسؤولو الشركة بيانات ومعلومات عن كمية المياه، التي استقبلت من محطة التحلية، وإجراءات الشركة خلال الفترة الماضية لتوفير المياه للأحياء، والكميات المتوفرة في الخزانات الاستراتيجية.
كمية مياه غير كافية
تضخّ محطات التحلية الأربع، التي تمدّ مدن جدة والطائف ومكة، أكثر من 800 ألف متر مكعب من المياه يومياً. وهي كمية يؤكد مختصون أنها لا تكفي، خصوصاً أنّ عدد السكان الإجمالي لتلك المدن يتجاوز 8 ملايين نسمة. وهو ما يعني أن نصيب كل فرد لا يتجاوز عشرة لترات يومياً. وتحتاج المدن الثلاث، ذات الكثافة السكانية العالية، إلى نحو مليوني متر مكعب من المياه يومياً على الأقل.
إقرأ أيضاً: جبال المحويت بلا ماء