جديد "كوشنر وشركاؤه"

جديد "كوشنر وشركاؤه"

05 ابريل 2019
+ الخط -
اهتمت وسائل إعلام دولية وعربية أخيرا بكتاب "كوشنر وشركاؤه: الجشع، الطموح، والفساد. قصة استثنائية عن جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب"، الصادر منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، للصحافية الأميركية، فيكي وارد، نظرا لما تضمنه من شهادات خاصة لمسؤولين أميركيين عن "صفقة القرن". ويتضمن الكتاب تصريحات لمسؤولين أميركيين اطلعوا على مسودة المشروع، تكشف احتواءه على مخطط لمد خط نفط من السعودية إلى غزة، حيث سيتم بناء معامل لتكرير النفط وتصديره، وذلك بهدف توفير مصادر مالية ووظائف للفلسطينيين، في مقابل قبولهم بخطة تبادل أراضٍ مع الأردن، والتي ستحصل بموجبها على بعض الأراضي من السعودية، والتي ستحصل، في المقابل، على جزيرتي تيران وصنافير في مصر. وبهذا، يوفر العرب المال والأراضي اللازميْن لحل القضية الفلسطينية، وفقا لرؤية مستشار الرئيس الأميركي (وصهره)، جاريد كوشنر التي تختزل حقوق الفلسطينيين في بعض الأموال والأراضي.
وعلى الرغم من أهمية تلك التقارير، وما يتضمنه الكتاب من إشاراتٍ أخرى إلى ارتباط كوشنر القوي بإسرائيل، إلا أن الكتاب مليء بتقارير لا تقل أهميةً عن دور هذا الرجل في سياسة ترامب تجاه المنطقة بصفة عامة، وخصوصا في الأزمة الخليجية، وتستحق الرصد والتحليل. وهو يحتوي على أكثر من معلومة جديدة ومهمة عن دور كوشنر في هذه الأزمة، وفي العلاقات السعودية ــ الأميركية، وفي دعم قمع النظام السعودي معارضيه في الداخل والخارج.
وفقا للكتاب، بدأت علاقة كوشنر بالخليج خلال حملة ترامب الرئاسية، عن طريق رجل أعمال أميركي من أصل لبناني، مقرّب من ترامب وكوشنر، يدعى توم باراك. رأى هذا أن في وسعه أن يحصل على مزيد من الاستثمارات الخليجية لشركاته، إذا قام بترويج نفسه مستخدما علاقته بعائلة ترامب، خصوصا بعد معاناة شركاته ماليا بعد أزمة تراجع أسعار النفط في العام 2014، لذا بادر بتعريف كوشنر كسفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، والذي يملك 
استثمارات في شركاته. ومن خلال الأخير، توثقت علاقة كوشنر بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد أولا، ثم بولي عهد العربية السعودية، محمد بن سلمان. ويفيد الكتاب بأن بن زايد كان بمثابة "الأستاذ" لبن سلمان. وفي يونيو/ حزيران 2016، كتب باراك إلى العتيبة قائلا: "أريد أن أقوي في عقل ترامب العلاقة بين الإمارات والسعودية، والتي بدأت مع جاريد (كوشنر)". ومن خلال هذه العلاقة استطاع باراك والعتيبة إقناع حملة ترامب، في يوليو/ تموز 2016، بالضغط على الحزب الجمهوري لحذف جزء من مؤتمرهم السنوي يحتوي على انتقادات للسعودية وعلاقتها بأحداث "11 سبتمبر" في العام 2001. ونجحوا في ذلك.
ومع نهاية عام 2016، بات كوشنر نقطة لقاء تحالف جديد يتم التفاوض عليه في المنطقة، كما يوضح الكتاب. تحالف يضم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، إذ جمع الثلاثة شعورهم بأن إدارة أوباما همشتهم، خصوصا في اتفاقها النووي مع إيران. ورأوا في إدارة ترامب فرصةً للتعاون معا لعزل إيران مرة أخرى، من خلال تشجيع التقارب الأميركي الروسي، لكي يضغط الروس على إيران، للخروج من سورية.
في ديسمبر/كانون الأول 2016، زار محمد بن زايد الولايات المتحدة، من دون أن يكلف نفسه بإخطار إدارة أوباما، كما هو معتاد، دبلوماسيا، حيث التقى مع كوشنر، وستيف بانون، مستشار ترامب، ومايكل فلين، والذي سيتم تعيينه مستشارا للأمن القومي الأميركي قبل أن يستقيل بسبب روابطه بالروس، ودار معظم اللقاء حول خطر "التوسع الفارسي". وفي مارس/ آذار 2017، تم الترحيب بشكل غير معتاد بمحمد بن سلمان في البيت الأبيض، وكان في وقتها نائبا لولي العهد السعودي، فتمت دعوته إلى مأدبة غداء، حضرها ترامب وكوشنر ومايك بنس نائب الرئيس وستيف بانون وكبير موظفي البيت الأبيض ومستشار ترامب للأمن القومي، وهي معاملة تقدم عادة لرؤساء الدول.
وتكتب المؤلفة، والتي تعمل محرّرة في موقع هفنغيتون بوست، أن كوشنر رأى أن "محمد بن سلمان هو مفتاح خطته للسلام في الشرق الأوسط، من خلال تقديم مساعدات مالية للفلسطينيين وتحييد إيران". ودار بين الطرفين حديث موسع عن شراء السعودية صفقات أسلحة ضخمة. وبعد اللقاء، بدأ التواصل المباشر بين كوشنر وبن سلمان، بعيدا عن وزارة الخارجية الأميركية نفسها. لذلك، عارض وزير الخارجية الأميركي المقال، ريكس تيلرسون، تلك العلاقة بقوة، خصوصا لشعوره بتشدد بن سلمان في قضايا داخلية، كقضية إعدام المعارض الشيخ نمر النمر، وكذلك في حرب اليمن.
ويفيد الكتاب بأن كوشنر لعب دورا كبيرا في إقناع ترامب بأن تكون أول زياراته الخارجية 
للسعودية، بل وفي الأزمة الخليجية نفسها. ويتضمن تصريحاتٍ خاصة أدلى بها أحد مساعدي تيلرسون تقول إن "السعودية لم تكن لتخاطر بالتحرك إلا بعد تصريح من أحد... هذا الشخص لا بد وأنه كان كوشنر". وتكتب المؤلفة إن تيلرسون لم يكن يعلم شيئا عن مخطط السعودية تجاه قطر، والذي نُسق سرا مع ترامب، ورأى أن الأزمة قسمت الجهود الرامية لتوحيد الخليج في مواجهة إيران. وكانت معارضته مخططات السعودية والإمارات ضد قطر أحد أسباب حشد السعودية والإمارات لعزله، إلا أن خلفه، مايك بومبيو، خيب أمل الإماراتيين والسعوديين فيه أيضا، بسبب تغير قناعات ترامب تجاه الأزمة الخليجية بمرور الوقت، وبفعل التحرّك القطري في واشنطن.
ويكشف الكتاب أيضا أن كوشنر ربما مد السعوديين بمعلوماتٍ عن المعارضين لهم في الخارج، إذ يتضمن تصريحاتٍ لمصدر ذكر أن الاستخبارات الأميركية تنصتت على سعوديين "يتحدثون لبعضهم عن كيف سيعطيهم جاريد معلومات". ويكشف أيضا عن خلاف دب بين تيلرسون وكوشنر، بسبب حملة الاعتقالات التي شنها بن سلمان على أفراد في العائلة السعودية الحاكمة بتهمة الفساد، وأن تيلرسون تلقى معلومات استخباراتية تفيد بأن كل من قبض عليهم بن سلمان لم يكونوا من فرع الأسرة المقرّب منه. ولذلك ثارت شكوك تيلرسون، وقال لكوشنر "هناك سبع أسر (داخل العائلة السعودية الحاكمة)"، و"لكن ليس هناك أي شخص فاسد في أسرته (بن سلمان). وهو غير ممكن إحصائيا!؟"، وفقا لتصريحات أدلى بها أحد مساعدي تيلرسون للمؤلفة. وهذا يعني أن تيلرسون شعر بأن حملة اعتقالات الأمراء السعوديين، المدعومة من ترامب وكوشنر، إنما هي محاولة من بن سلمان لإخضاع بقية أفرع العائلة الحاكمة السعودية وإضعافها.
ويعني ما سبق أن كوشنر ربما لعب دورا أكبر من المتوقع في الأزمة الخليجية، وفي دعم 
جهود محمد بن سلمان في قمع معارضيه داخل المملكة وخارجها، بسبب قربه من ترامب. وهي جهود مدفوعة، كما يذكر الكتاب، بدافع واحد مشترك، هو الحصول على مزيد من الأموال. ويفيد الكتاب بأن النظام السعودي أنفق أموالا كثيرة منذ صعود الملك سلمان إلى الحكم، خصوصا على حرب اليمن، على الرغم من تراجع أسعار النفط. ولذلك سعى بن سلمان إلى حل مشكلاته بمحاولة السيطرة على أموال قطر. ولما فشل، اعتقل عشرات من الأثرياء السعوديين، وساومهم على ثرواتهم في مقابل حرياتهم. أما كوشنر فكان مدفوعا بالأمر نفسه، مصالحه الشخصية، وديون عائلته وشركاتها، ورغبته في ترويج نفسه وتوسيع نفوذه، بغض النظر عن تبعات ذلك على مصالح أميركا نفسها، أو تقاليدها السياسية، أو أي تبعات أخلاقية أخرى. المال والجشع وحب السلطة والنفوذ حرّكت كوشنر وتحالفه الجديد في المنطقة.