أخطرت الحكومة الهولندية، في شهر يوليو/ تموز الماضي، البرلمان بتصدير أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات العسكرية (C3)، والرادار العسكري، إلى البحرية المصرية، وهي صفقة أسلحة ضخمة للغاية لهولندا، قيمتها 114.038.400 يورو، بما يعادل نحو 10% من المتوسط على مدى السنوات العشر الماضية.
وأثارت الصفقة مع مصر جدلاً كبيراً بين الحكومة ونواب بالبرلمان، وصفوا النظام المصري الحالي بأنه يحتجز الآلاف من السجناء السياسيين، وأن مصر تعاني من صحافة مكمّمة، وانتخابات غير حرة، ونظام عسكري، وصراعات تلوح في الأفق مع دول الجوار، ومع ذلك ليس لدى الحكومة الهولندية أي اعتراض على الأمر.
ومؤخراً، قررت الحكومة الهولندية تخفيف السياسة المتعلقة بتجارة الأسلحة مع مصر، لأن الأخيرة، حسب وصفها، لم تعد تشارك بنشاط في الحصار البحري لليمن.
ورغم أن الحكومة الهولندية لا تريد تقديم معلومات "حساسة"، غير أنه من المعلوم أن التكنولوجيا العسكرية مخصصة لفرقاطة ألمانية من طراز (MEKO)، ربما تكون من نوع (A200).
ويوفر الفرع الهولندي لمجموعة تاليس الفرنسية هذه التكنولوجيا، إذ يتعلق الأمر برادار الكشف والتتبع وأنظمة التحكم في الحرائق، وأنظمة بيانات القتال، نظراً لاحتمال تزويده لخمس سفن أخرى من نفس السفن، وذلك بمبلغ إجمالي قدره 660 مليون يورو.
وفي ما يتعلق بالحجم المالي لـThales Nederland، فإن طلب جميع الفرقاطات الست لمصر سيصل إلى ما يقرب من نصف حجم مبيعات الشركة السنوية، وهي ليست أول صفقة تصدير لمعدات بحرية إلى مصر، ففي عام 2015 حاولت منظمات السلام من دون جدوى اتخاذ إجراءات قانونية ضد ترخيص تصدير مواد تاليس لمصر بقيمة 34 مليون يورو، وقد خصصت لفرقاطات غويند.
وفي عام 2018، باعت تاليس معدات الفرقاطة OH Perry التي زودتها الولايات المتحدة بقيمة 10 ملايين يورو تقريباً.
تاليس هولندا
وتاليس هي شركة خاصة في هولندا، جنباً إلى جنب مع Fokker وDamen، وتشكل معهما أكبر ثلاث شركات عسكرية كبيرة، إذ أنها شركة فرنسية هولندية تصنع إلكترونيات عسكرية متقدمة، ولا تصنع الشركة الصواريخ، بل تقدم تكنولوجيا تكشف الأهداف، وترسل الصواريخ.
تاليس هي شركة خاصة في هولندا، جنباً إلى جنب مع Fokker وDamen، وتشكل معهما أكبر ثلاث شركات عسكرية كبيرة، إذ أنها شركة فرنسية هولندية تصنع إلكترونيات عسكرية متقدمة
وتنتج Thales Nederland في الأصل أنظمة الرادار، وأنظمة التحكم في الحرائق، وتصنع أيضاً معدات لسفن خفر السواحل التي تغلق الحدود الخارجية لأوروبا أمام اللاجئين.
وتشترك الحكومة الهولندية في ملكية تاليس، وإن كان ذلك بنسبة 1% فقط، وإثر ذلك يجب على الحكومة إصدار تقرير سنوي حول إدارة مشاركات الدولة في تاليس للنشر.
ويذكر التقرير السنوي أن الشركة هي واحدة من أقل الشركات شفافية في هولندا، ولكنه يوفر كذلك معلومات حول حجم القوة العاملة، ودوران الأعمال، والأرباح، وحصة الصادرات في إجمالي المبيعات. وفي عام 2019، بلغت 459 مليون يورو، و39 مليون يورو، و66% على التوالي.
ويقع المقر الرئيسي لشركة تاليس في Hengelo، وهناك فروع لها في Huizen وDelft وEindhoven. وتصنع تاليس هينجيلو، من بين أشياء أخرى، رادار SMART-L للدرع الصاروخي، وهو جزء من استراتيجية الأسلحة النووية لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
فرقاطات ميكو
وفي العام الماضي، أعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لتسليم ست فرقاطات من طراز MEKO، أنتجتها شركة Thyssenkrupp Marine Systems TKMS إلى مصر كجزء من صفقة تبلغ قيمتها حوالي 2.3 مليار يورو.
وقبل إتمام الصفقة، كان لا بد من تسوية بعض الأزمات الدبلوماسية. ومارست السعودية ضغوطاً على مصر لتجميد الصفقة بسبب انتقادات ألمانية، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ويمكن للسعوديين أن يمارسوا نفوذهم لأنهم (يشاركون) في تمويل هذا الشراء الضخم، الذي يضع مصر حرفياً ومجازياً مديناً للرياض.
النظام العسكري المصري
وقال برلمانيون هولنديون إن مصر حُكمت من قبل الجيش، لأنه خلع الملك المدعوم من بريطانيا في عام 1952، وبعد أن أطاح المصريون بدكتاتورهم الراحل حسني مبارك في عام 2011 خلال الربيع العربي، اختار المصريون جماعة الإخوان المسلمين كحزب حاكم، بوصفها المعارضة الوحيدة المنظمة جيداً.
يمكن للسعوديين أن يمارسوا نفوذهم لأنهم (يشاركون) في تمويل هذا الشراء الضخم، الذي يضع مصر حرفياً ومجازياً مديناً للرياض
ومع ذلك، لم يتمكن الرئيس الراحل محمد مرسي من السيطرة بسرعة على الوضع الذي ساد الربيع العربي، مع استيلاء السيسي على السلطة، وقُتل أكثر من ألف عضو من جماعة الإخوان، وتعطل الدستور الجديد الذي وضع عام 2012، وسُجن أعضاء معارضة وصحافيون.
القواعد المقيدة لصادرات الأسلحة
ويضيف التقرير البرلماني أنه بعد انقلاب السيسي عام 2013، وما تلاه من أعمال عنف ضد المعارضة، توصل الاتحاد الأوروبي إلى قرار غير مُلزم بتعليق تراخيص تصدير الأسلحة للمعدات التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي، وإعادة النظر في صادرات الأسلحة الأخرى والتعاون العسكري.
ولا يزال هذا القرار سارياً، ولكن يتم تجاهله الآن على نطاق واسع، لأنه غير مُلزم.
وقامت هولندا بتقييم الطلب الكبير لتاليس على أساس المعايير الثمانية لسياسة الأسلحة المشتركة للاتحاد الأوروبي، والتي يجب أن تقيد الصادرات إلى منتهكي حقوق الإنسان، ومناطق النزاع.
ولم تجد الحكومة أي سبب لوقف الصفقة، إذ لا تحظر المعايير التعامل مع الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان، أو معرضة لخطر التورط في نزاع مسلح، والشرط الوحيد- في التفسير الصارم للمعايير التي تستخدمها الحكومة الهولندية- هو أنه يجب ألا تكون هناك علاقة مباشرة بالأسلحة والتكنولوجيا التي سيتم توفيرها.
وتُنتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع في مصر، لكن الفرقاطات لا تستخدم في هذا العنف، وتزود مصر ليبيا بالأسلحة، لكن البحرية ليست متورطة.
كما تدعم مصر التحالف الحربي السعودي في اليمن، ولكن سياسياً فقط، وليس عسكرياً (بعد الآن).
تُنتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع في مصر، لكن الفرقاطات لا تستخدم في هذا العنف، وتزود مصر ليبيا بالأسلحة، لكن البحرية ليست متورطة
ووفقاً للحكومة الهولندية، لا يوجد خطر من استخدام فرقاطات MEKO في السياسة الخارجية العدوانية أو في المطالبات الإقليمية.
مجلس النواب
وخلال النقاش الأخير حول سياسة تصدير الأسلحة في البرلمان الهولندي، كان التركيز بشكل أساسي على النزاعات الوشيكة والمستمرة في المياه المحيطة بمصر، لأنه من الواضح بالفعل أن الحكومة لا تعتبر انتهاك حقوق الإنسان في مصر مشكلة بالنسبة لهذه الصادرات.
ويوضح النائب كارابولوت أنه لا يفهم لماذا غيرت الحكومة الهولندية سياستها تجاه مصر، "لأنها تشارك في التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن"، وهي حرب تشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان.
وتساءل عضو البرلمان فان أوجيك (GroenLinks) عن سبب ثقة الحكومة الهولندية في أن البحرية المصرية لن تنضم إلى حصار اليمن. ومع ذلك، وفقاً لوزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، فإن دور البحرية المصرية في التحالف المناهض لليمن "محدود للغاية".
كما طلب كارابولوت توضيحاً بشأن تصريح السيسي بأنه لن يتردد في استخدام القوة العسكرية في ليبيا إذا تعرض أمن مصر للخطر.
وقالت الحكومة الهولندية إنه "من غير الواضح ما إذا كان العمل العسكري سيحدث بالفعل، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الأسلحة، فإذا تعلق الأمر بالتدخل في ليبيا، فإن دور البحرية يكون واضحاً".
ويمكن أن تلعب البحرية أيضاً دوراً في الصراع اليوناني التركي. وتنص توجيهات الاتحاد الأوروبي المشتركة لتصدير الأسلحة على "تلتزم الدول الأعضاء بمنع تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية التي يمكن أن تسهم في عدم الاستقرار الإقليمي".