جدلية العلاقة بين السياسة والأخلاق
أوقدت الفيضانات التي عرفها المغرب، خلال الأسبوعين الماضيين، ناراً دفينة في جسد المواطن المقهور الذي وقف مشدوهاً أمام هول الكارثة، كما أعادت إلى دائرة الضوء جدلية العلاقة بين السياسة والأخلاق. فـإذا كانت السياسة رعاية شؤون الأمة، داخلياً وخارجياً، فإن الأخلاق هي منظومة القيم التي تستهدف جلب الخير وطرد الشر. فـــهل أصبحت السياسة أداة لقتل بنياتنا الأخلاقية الإنسانية؟ أم أن الأخلاق لا يمكنها النمو في بيئة التفقير والتهميش والتشريد؟
فـــي زمــننا المغربي الراهـــــن اقترنت السياسة بالمنفعة الشخصية، إذ أصبحت مرتبـــطة بنوعية المكاسب التي سيحصل عليها السياسي، في حالة فوزه في الانتخابات، الأمــــر الــــذي أدى إلى تغييب الاهتمام بمصالح المواطنات والمواطـنين وتدهور المرافق العامة للبلاد التي أصبحت تحن إلى أيام الاستعمار الخوالي، ولعـــل الصمود التاريخي لطرقات وقناطر ما قبل الاستقلال ضد الفيضانات الأخيرة، خير دليل على ذلك.
هذا الوضـــع البئيس الذي نشاهده اليوم، أدى إلى إضعاف الدولة ومؤسساتها، حيث أصبح ينظر إليها من زاوية الأخذ من دون العطاء، كما تم تحويل أغلب مناطقها إلى ضيعات شخصية، تمارس فيها كل أشكال النهب والسلب من مرتزقة السياسة. كما أن المواطن المقهور أصبح يحـس أن "ما يستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له (إذا قدمت)، كمنّة أو فضل، لا واجباً مستحقاً له، على حد تعبير الدكتور مصطفى حجازي، في كتـــابه "سيـــكولوجيـــة الإنـــسان المقهور".
خلاصة القـول، في ظـــل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للغالبية العظمى من المواطنات والمواطنين، يبقى النضال السياسي الملتزم قيمة أخلاقية نبيلة، تستهدف ربح المعركة في الحقل الأخلاقي السياسي، عملا بقول أبي العلاء المعري: إذا غمس القوم أيديهم في الدم، فاغمس يدك في ماء الغدير.