جدار برلين... ما بعد 30 عاماً على سقوطه

جدار برلين... ما بعد 30 عاماً على سقوطه

09 نوفمبر 2019
فسحة للغرافيتي وواحد من معالم العاصمة الألمانية (Getty)
+ الخط -
تحل اليوم السبت، الذكرى الثلاثين لسقوط "جدار برلين" الذي كان يفصل بين الألمانيتَين الشرقية والغربية، وتعد المناسبة من أبرز الأحداث في النصف الثاني من القرن العشرين، وشكّلت مقدّمة لتوحيد القارة العجوز وانتهاء الحرب الباردة وسقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية.
بعد فتح المجر حدودها مع النمسا، اتّجهت ألمانيا الشرقية إلى القيام بالمثل والسماح لمواطنيها بالسفر إلى "الدول الرأسمالية"، وعندما سُئل القيادي في الحزب الاشتراكي الألماني الموحّد في ألمانيا الشرقية، غونتير شابوفسكي، في خلال مؤتمر صحافي في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، عن توقيت تمكّن سكان ألمانيا الشرقية من التوجّه إلى الغربية، ارتبك بعض الشيء قبل أن يجيب "فوراً".
وفي الساعات التي تلت، حسم آلاف الألمان مصير جدار برلين وقد أسقطوه. مستجدّات كثيرة تبعت سقوط جدار برلين، لعلّ أبرزها توحيد جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) وجمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية) في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1990، وقيام أوروبا موحّدة تسودها الديمقراطية وسيادة القانون.
بعد مرور ثلاثة عقود، ما زالت أسئلة كثيرة تطرح حول العوامل التي أدّت إلى سقوط جدار برلين ودور آخر زعماء الاتحاد السوفييتي وصاحب مشروع الإصلاحات "بيريسترويكا" ميخائيل غورباتشوف في تلك التحولات الثورية السلمية في أوروبا الشرقية.
وقد أقرّ غورباتشوف في مقال بعنوان "الشعب أدّى الدور الرئيسي" نُشر في مجلة "تايم" الأميركية وصحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية عشية الذكرى الثلاثين لسقوط الجدار، بأنّ تلك الأحداث لم تكن مفاجأة للقيادة السوفييتية، إذ إنّ تاريخ التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني أتى نتيجة توافق الظروف وأمزجة الناس بالنسبة إليه.

وأكّد غورباتشوف أنّ موسكو استبعدت منذ البداية احتمال استخدام القوة وتوظيف القوات السوفييتية المرابطة في ألمانيا الشرقية، وقامت بكل ما في وسعها لضمان المسار السلمي للعملية من دون المساس بالمصالح الحيوية السوفييتية والسلام في أوروبا في آن معاً.
مع ذلك، خلص الزعيم السوفييتي السابق إلى أنّ الشعب كان هو البطل الرئيسي لذلك الزمن الحافل بالأحداث، أي "الألمان الذين أعلنوا بحزم، والأهم بشكل سلمي، عن إرادتهم للوحدة القومية، وبالطبع الروس الذين تفهموا تطلعاتهم".
من جهته، تناول المؤرخ إلكو - ساشا كوفالتشوك في مقال بعنوان "لم يكن أحد ينتظر الثورة" نُشر في صحيفة "كوميرسانت" الروسية أخيراً، العوامل الخارجية والداخلية العميقة وراء سقوط جدار برلين الذي ظلّ على مدى ثلاثة عقود تقريباً رمزاً للدولة البوليسية متكاملة الأركان وللهيمنة الشيوعية على نصف أوروبا.
ومن بين العوامل الخارجية، ذكر كوفالتشوك الدعم البولندي والأميركي لألمانيا في استعادة وحدتها في أسرع وقت، مشيراً في المقابل إلى أنّ العامل الداخلي الأهم هو استسلام قيادة الحزب الاشتراكي الألماني أمام زخم التظاهرات.
وقد أكّد في الوقت نفسه أنّ "الثورات لا تنتصر أبداً على السلطة القوية". وضرب مثلَين على ذلك، هما كوبا وكوريا الشمالية، حيث ما زال الحكم الشيوعي صامداً حتى اليوم على الرغم من تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وفي ما يخصّ ألمانيا الشرقية، أوضح كوفالتشوك أنّ "النظام واقتصاده وصلا إلى مرحلة الاضمحلال، وفقدت النخبة السياسية أهليتها، وكان ولاء المواطنين في أدنى مستوياته، بينما لم يكن غورباتشوف يريد استنزاف الموارد للحفاظ على الوضع الراهن".
بعدما كان جدار برلين رمزاً لانقسام أوروبا والعالم على مدى ثلاثة عقود تقريباً، تحوّل ما تبقّى منه إلى واحد من أبرز معالم العاصمة الألمانية وفسحة للغرافيتي. ويُذكر أنّ ثمّة أجزاءً من الجدار موجودة اليوم في الولايات المتحدة الأميركية، تحديداً في حديقة مكتبة رونالد ريغان الرئاسية في ولاية كاليفورنيا، علماً أنّ ريغان كان هو من طالب غورباتشوف في أثناء زيارة لبرلين الغربية في عام 1987 بإزالة الجدار.
تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات ألمانيا الشرقية بدأت أعمال بناء جدار برلين في أغسطس/ آب من عام 1961، وذلك بدعم من الاتحاد السوفييتي وغيره من بلدان حلف وارسو للانعزال عن ألمانيا الغربية ومنع تسرّب اللاجئين. ومنذ قيام الجدار وحتى سقوطه في عام 1989، لقي نحو 200 شخص مصرعهم في أثناء محاولتهم الفرار من ألمانيا الشرقية، وقد سقط أغلبهم برصاص حرس الحدود.

المساهمون