جبهة المقاومة

17 سبتمبر 2014
في ذكرى استشهاد جورج حاوي (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

كان الفعل احتلالاً، فكانت ردّة الفعل مقاومةً. في منتصف سبتمبر/أيلول 1982 كان عشرات الشباب الشيوعي والقومي والعروبي، يُنظّم صفوفه سرّاً. خُبئت الأسلحة في أماكن غريبة ولم ترمَ عشوائيّاً. حُلقت اللحى، وخُلع الزي العسكري الذي كان يلبسه هؤلاء في مرحلة القتال إلى جانب الثورة الفلسطينية. انطلقت المقاومة الوطنية اللبنانيّة بعد إعلانها رسميّاً من الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي، محسن إبراهيم.

لم تكن المقاومة هدفاً قائماً في حد ذاته. جاءت استكمالاً لمشروعٍ رفعته الحركة الوطنية، وفصائلها اليساريّة خصوصاً، لتحرير الانسان. كانت حرية الأرض جزءاً من حرية الانسان. وكانت المقاومة جزءاً من مشروع سياسي يهدف الى إحداث تغيير في بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللبناني. فشل المشروع السياسي، وتحوّل الصراع في لبنان إلى حرب أهليّة، واحد من أبرز الأسباب التي أدّت لاحقاً الى توقف العمل المقاوم بهويته الوطنية مع اتفاق الطائف.

جاء اتفاق الطائف تتويجاً لتوقف الصراع المسلّح على تسوية سياسية، أدخلت تعديلات على الحصص الطائفية في نظام الحكم، ولم تُحدث تغييراً في بنية الحكم. كان من الضروري أن تتوقف المقاومة التي تحمل عمقاً وطنياً ومطلباً سياسيّاً تغييريّاً.

في ذكرى انطلاقة هذه المقاومة، يبرز هذا الفعل كاستثناء في التاريخ الحديث للبنان. استثناء لجهة رفع الهوية الوطنية أعلى من الهويات المناطقية والمذهبية، من دون تحوّل الأمر إلى شوفينية. يكاد أن يطال هذا الاستثناء عمل اليسار العربي في العقود الأخيرة. فهذا اليسار لم يستطع تقديم أي إنجاز يُذكر، لا بل ذاب جزء أساسي من تكويناته وقواه في الهويات الضيقة، طائفية كانت أم مناطقية.

التضامن والتكافل بين القوى التي قاتلت هذا المشروع وضربته، رغم اختلافاتها العميقة، من قوى محلية وأخرى إقليمية، هو أكثر ما يعبّر عن تخوّف هذه القوى من مشاريع وطنية (بمعناها الواسع) تتجاوز المستويات المذهبية والمناطقية.

في لحظة الجنون في العالم العربي هذه، وجنوح الصراعات مع الأنظمة الاستبدادية إلى صراعات مذهبية، تبرز أهمية مشروع من مستوى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. مشروع لا يحكم ولا يكون الأكثرية، لكن يُساهم في تغيير ولو ضئيل لما نشهده. في ذكرى جبهة المقاومة ألف رحمة لقائدها جورج حاوي الذي سقط قتيلاً بعبوة، لا يُمكن أن يكون واضعها بعيداً عن العقل الاستبدادي الذي يحكمنا.

دلالات