جبال العاصمة الأفغانية تقتل سكانها ببطء
صبغة الله صابر ــ كابول
ابتعادهم عن العاصمة يجعلهم من المهمّشين (Getty)

الفقر وأحكامه المختلفة تجعل من حياة سكان الجبال المحيطة بالعاصمة الأفغانية كابول، كابوساً مستمراً مليئاً بالمشاكل الاجتماعية، من أبسطها إلى أصعبها. يتمنون أن تتحسن الأوضاع، ولو أنّ بعضهم يئس تماماً.

كثيرة هي المشاكل التي يعاني منها سكان عشرات القرى والأحياء في أطراف جبال العاصمة الأفغانية كابول. فهي تمتد من شحّ المياه وفقدان الكهرباء وعدم وجود طرقات تربطها بالشوارع الرئيسية، وتصل إلى المعاناة من البرد الشديد، وانهيار الجبال بين فترة وأخرى.

منذ عشرات الأعوام، شيّدت عشرات الآلاف من المنازل على أطراف جبال العاصمة الأفغانية كابول وقممها. جلّ أولئك، الذين شيدوا هذه المنازل واختاروا العيش في الجبال، هم من الطبقة الفقيرة التي عجزت عن بناء المنازل داخل المدينة. منهم العاطلون من العمل والموظفون في المؤسسات الحكومية والخاصة برواتب زهيدة.

في موسم البرد القارس، يشكو سكان تلك القرى والأحياء، التي يصل عددها إلى العشرات، من فقدان الاحتياجات الأولية كالماء والكهرباء والتسهيلات الطبية وغيرها. كذلك تحتاج إلى طرقات تربطها بالمدينة والطرقات الرئيسية، خصوصاً في ظل صعوبة نقل البضائع والمرضى.

يرى سكان تلك القرى أنّ تحسين ظروفهم غير صعب، لكنّه مشروط بنيّة الحكومة وبلدية كابول ذلك. يقول محمد خسرو، المسن الذي يعيش منذ عشرة أعوام في أحد جبال كابول القريبة من منطقة دهمزنك: "نعيش على أطراف الجبل لأننا لا نملك منازل على الأرض. لأننا فقراء لا يمكننا أن ندفع إيجار المنازل في كابول". يؤكد خسرو أنّ حالة أسرته لا تختلف عن كلّ تلك الأسر التي تعيش هناك في بؤس. ويتهم الحكومة بالتهميش والوعود الخادعة.

أما محمد سرور النجل الأكبر لخسرو فيشير إلى أنه ترك دراسته في كلية الهندسة قبل عام وبدأ العمل، بسبب الحالة المعيشية الصعبة لأسرته. يتأسف الشاب عند سرد قصة جارة لهم ماتت قبل أسابيع بعدما تأخرت الأسرة في إيصالها إلى المستشفى. يقول: "عندما تدهورت حالة المرأة، بسبب ضغط الدم والسكري، حاول أبناؤها أن يعثروا على سيارة الإسعاف لنقلها إلى المستشفى. عثروا على السيارة التي انتظرتهم على الطريق الرئيسية. لكنّ نقل المرأة من الجبل إلى الشارع أخذ وقتاً طويلاً جداً، فمنازلنا تبعد عن الشارع الرئيسي نحو كيلومترين. فارقت المرأة الحياة قبل أن تصل إلى السيارة".

اقرأ أيضاً: أفغانيّات هربن من المنزل... فسجنّ

لا تختلف قصة محمد زبير (45 عاماً) كثيراً عن قصة سرور وجارته. الرجل يعاني من مرض الربو منذ ثمانية أعوام. مع ذلك ينقل يومياً المياه على كتفيه إلى منزله في أطراف جبال كوزركاه. يقول: "أبنائي صغار حاولوا مراراً نقل المياه، لكنّهم لم يتمكنوا بسبب صعوبة ذلك عليهم". يوضح أنّ أكبر أبنائه الذي يبلغ من العمر 12 عاماً كان ينقل المياه بين الحين والآخر لمساعدته، لكنّه سقط ذات يوم على الطريق وأصيب بجروح في رجله وظهره، فمنعه عن ذلك.

يتمنى الرجل لو كان لديه عمل أو مال، لكان بإمكانه أن يدفع إيجار منزل في العاصمة ويعيش "فوق الأرض" كما يعيش الجميع. وعلى الرغم مع أنه عاش عشرين عاماً، أي نحو نصف حياته، في هذا الجبل، إلا أن زبير وأهله لا يتوقعون أن يعيشوا في العاصمة يوماً ما بعيداً عن هذه المعاناة التي هم عليها الآن.

ليست المياه فقط، بل جميع الاحتياجات المنزلية الأخرى، ينقلها سكان تلك الأحياء والقرى على الأكتاف. هناك لا توجد محال تجارية أو أسواق توفر لهم ما يحتاجون إليه. يعلق الشاب صفي الله على ذلك: "ليس لنا إلاّ ظهورنا وأكتافنا نحمل عليها حاجياتنا المتعددة. أحياناً نذهب في رحلة تبعد مئات الأمتار عن منازلنا، فقط لنشتري غرضاً صغيراً، ككيلوغرام واحد من الأرزّ مثلاً. لا توجد لدينا أسواق توفر لنا ما نحتاج إليه".

أما في ما يتعلق بالكهرباء، فإنّ تلك القرى طلبت من الحكومة مراراً توصيل التيار الكهربائي إليها. وهو ما يشير إليه أحد السكان محمد فوزي بالقول: "تقدمنا بالطلبات مراراً إلى إدارة الكهرباء في كابول، لكن من دون جدوى، فالإدارة لم تحرك ساكناً إزاء طلباتنا المتكررة".

في المقابل، تعتذر الإدارة عن توصيل التيار الكهربائي إليهم. ويؤكد المتحدث باسمها وحيد الله توحيدي "عدم قدرتها في الوقت الراهن على إمداد كلّ سكان العاصمة كابول الذين يعيشون على الأرض حتى بالكهرباء، فما بالك بالجبال؟". يشير إلى أنّ إمكانيات الإدارة ضعيفة، وبالتالي فإنّ توصيل الكهرباء إلى الأحياء في الجبال أمر لا يمكن تحقيقه في الوقت الحالي.

جدير بالذكر أنّ سكان الأحياء والقرى في أطراف جبال كابول ليسوا جميعاً من العاطلين من العمل، فمنهم الموظفون في الحكومة والجيش والشرطة. فكلّ من لم تكن لديه القدرة على اتخاذ منزل في العاصمة، تسلق جبالها وبنى منزلاً له فيها. كذلك ازدادت أعداد هؤلاء بسبب الوضع الأمني المتدهور في الأقاليم المجاورة.

اقرأ أيضاً: المسلّحون يعطّلون هواتف أفغانستان